الاعتماد على الذات

سلامة الدرعاوي
شعار حملته كل الحكومات بلا استثناء في خطابها الإعلامي الرسمي، وحاولت نظريا ان تقنع الجميع بأنها تتجه إلى تحقيق الهدف المنشود وهو الاعتماد على الذات، لكن على أرض الواقع فالأمر مختلف تماما عما تتحدث به الحكومات، فهو يكاد ان يكون شعاراً خالياً من المضمون الفعلي والحقيقي له.
الاعتماد على الذات لا يكون في ظل عجز موازنة يناهز الـ2.356مليار دينار وهو الأعلى منذ عقدين من الزمان، فهذا يعني ان المديونية ستزداد بمقدار العجز بحدها الأدنى، والسداد سيكون بالاقتراض الداخلي والخارجي معاً.
والاعتماد على الذات لا يكون في ظل تغطية ضعيفة للنفقات الجارية التي لا تغطي الإيرادات المحلية منها سوى 82 %، فالأصل ان تكون التغطية كاملة، وباقي النفقات لا بأس باقتراضها خاصة إذا كانت نفقات رأسمالية حقيقية لها قيمة مضافة عالية على الاقتصاد.
ويبقى شعار الاعتماد على الذات حبراً على ورق وأرقام الاعتماد المتزايد على المساعدات الخارجيّة يزداد عاما بعد عام، فالمنح لوحدها باتت تشكّل ما يقارب الـ9 % من الحجم الكلي للموازنة العامة للدولة، في حين ان المساعدات الخارجيّة المتعلقة بالقروض التي تسعى الخزينة للحصول عليها في كل عام لتغطية العجز ونفقات الحكومة التمويلية تناهز نسبها الـ23 % من الموازنة.
ولا يمكن لنا ان نقول بأننا بتنا أكثر اعتمادا على الذات في ظل سياسات تشغيليّة لا تحقق اي نتائج إيجابية فيما يتعلق بتخفيض معدّلات البطالة التي باتت كابوسا حقيقيا، لا بل يتعدى الأمر الى اتخاذ اجراءات معاكسة للتوجهات العامة كقرار تصاريح العمل للوافدين، وكأننا نقول نعم للوافدة بدلا من اتخاذ تدابير تشجع على استخدام العمالة المحلية وتزيد من معدّلات توظيف الأردنيين.
مظاهر الضعف في الاعتماد على الذات تجلت بشكل واضح خلال أزمة كورونا ومواجهة تداعيتها، فلولا الدعم الدولي الطارئ الذي حصل عليه الأردن خلال الجائحة، وتأسيس صندوق همة وطن بقيمة تناهز الـ96مليون دينار، لتعرض المجهود الصحي المخصص لمواجهة كورونا لضغوطات كبيرة كان ممكن ان يكون لها تأثير عميق جدا على الخزينة في ذلك الوقت.
لكن يبقى السؤال، هل كان الاردن أفضل في السابق من ناحية الاعتماد على الذات؟
اعتقد ان الاردن اليوم أفضل كثيرا مما كان عليه في السابق بالاعتماد على الذات، فتاريخيا ومنذ تأسيس الامارة والخزينة تعتمد في تغطية نفقاتها المتزايدة على المساعدات الخارجيّة التي وصلت الستينيات إلى أكثر من 50 %من إيرادات الدولة .
حتى أزمة 1989كانت نتيجة لغلو الإدارات الحكومية في الإنفاق المبني على حلم المساعدات الخارجيّة الموعود بها الاردن والتي لم يأت منها سوى 10 % فقط من دولة شقيقة واحدة فقط.
الاعتماد على الذات شعار بعيد المنال في المديين القريب والمتوسط، وتطبيقه فعليا يحتاج إلى استراتيجية اقتصادية إصلاحية حقيقية بعيدة بالأساس عن دعم المانحين والمؤسسات الدوليّة أولا وأخيرا، ويكون هذا بواسطة تبني سياسات تنمويّة انتاجيّة موجهة لتعزيز الاستثمار المباشر في الاردن خاصة في القطاع الصناعي وتفريعاته الإنتاجية المختلفة ضمن إطار زمني محدد تتوفر له الارادة السياسيّة الداعمة لتحقيق هذا الهدف المنشود والمدعوم بأرقام واضحة في التشغيل والاستثمار والصادرات ومعالجة الاختلالات والتشوهات الإدارية والهيكلية الحاصلة في القطاع العام .