عالم عربي غير صالح للحياة

ماهر أبو طير
ثمانية ملايين أمي في العراق، وأكثر من ثلاثة ملايين طفل سوري، خارج المدارس، فوق عدد الأميين أصلا، وفي مصر ثمانية عشر مليون أمي، وفي اليمن عشرة ملايين أمي، فوق الطلبة الذين لم يذهبوا للمدارس خلال الحرب الحالية، والأرقام حول بقية الدول العربية مرعبة.
 
عدد الايتام في العراق يصل إلى خمسة ملايين عراقي، وفي سورية ووفقا لتقديرات يصل عدد الايتام إلى مليون غير الأرقام التي لم يطلع عليها أحد لغياب الاحصائيات الدقيقة، وفي مصر تؤشر الأرقام على خمسة ملايين يتيم، وفي اليمن أكثر من مليون يتيم، والأرقام هنا قد تكون دقيقة تماما، أو تقترب من الدقة إلى درجة كبيرة، في أغلب الحالات.
 
القصة هنا، ليست قصة الدول الأربع، لكنها مجرد نماذج من دول حرقتها الحروب، أو الفوضى، أو الصراع على السلطة، أو تعاني من اشكالات اقتصادية مختلفة، ولو ذهبنا بالأرقام إلى بقية الدول العربية، لوجدنا وضعا مذهلا، في موريتانيا، والمغرب، والجزائر، والصومال، والسودان، والأمر لا يقف عند معايير الأمية أو اليتم، بل يأخذنا إلى معايير أخرى، مثل حصة الفرد في الغذاء، أو الماء، أو العلاج، أو التعليم، أو غير ذلك من معايير.
 
هذا يعني بشكل واضح أن البنية الإنسانية في العالم العربي، منهارة تماما، ولو وقفنا عند الشكل، لكان مغايرا، فهذا العالم غني بالموارد والثروات، وفيه مستشفيات وجامعات، لكنه على أرض الواقع يعيش بطريقة مختلفة، حتى الأرقام الإيجابية، من حيث عدد الجامعيين مثلا، لا تعني شيئا، لأننا أمام أرقام بالملايين، أغلبهم يدرسون التخصصات الإنسانية، ويغيب عن غالبيتهم الاتجاهات العلمية والتكنولوجية، وكل ما له علاقة بالمستقبل، وذات أرقام كلف العلاج، مضللة، فهي مجرد أرقام بالملايين من حيث الانفاق، لكن لا أحد يتحدث عن سوء الخدمات، والإهمال في المستشفيات، وبطء الحصول على الخدمات الصحية، أو عدم كفايتها، وتراجع المرافق الصحية، أو معايير الاحتراف الطبي.
 
كل تقارير المنظمات الدولية، حول العالم العربي، سيئة، وهي تدق ناقوس الخطر، لكن لا أحد يتوقف عند دلالات الأرقام، ولا خطورتها على المستقبل، لكن هذه الأرقام، تقول بشكل واضح، ان النهضة غير واردة، وان المستقبل لا يبشر بخير ابدا، وفي ظل هكذا أوضاع، لا نرى أي مشاريع للنهضة في أغلب الدول العربية، بل استسلام لهذه الحالة، واعتبارها حالة طبيعية لا يمكن معالجتها، او التخفيف منها.
 
لا توجد أمة في العالم، ستنهض من الفراغ، كل الذين نهضوا كان لديهم مشاريع، وخطط، استمرت لسنوات متواصلة، واجيال متتالية، حتى نهضت أخيرا، لكننا في العالم العربي، لا نستثمر في الإنسان، بل نتركه لهذا الواقع السلبي، ولا أحد يخرج ليعترف ان أرقام الأمية فضيحة بحد عينها في العام 2019، أو أن ارقام اليتم تؤشر على اننا أمام أجيال قادمة غاضبة، أو حاقدة، أو غير مؤهلة، وسوف يؤدي وضعها هذا إلى ولادة أجيال أكثر جهلا، وتتسم بالضياع، خصوصا، مع غياب مشاريع التأهيل ومحاولة انقاذ الملايين.
 
عالم عربي ثري جدا، من مشرقه إلى مغربه، لكن الإنسان فيه، لا يجد وظيفة، ولا يجد من يعلمه فك الخط، ولا يجد علاجا، ولا تعليما، عالم غارق في الظلام، وهو غير مؤهل للمنافسة، أو استعادة موقعه القديم، بهذه الطريقة التي نراها، والتي ستؤدي إلى توسع الفجوة بيننا وبين الأمم، فنحن نشعر بالصدمة أمام أرقام الأمية، مثلا، ونطالب بمحو الأمية، فيما الأمم الأخرى، وصلت الكواكب، وكل يوم يمر، تتوسع فيه هذه الفجوة، وتزداد، لصالح غرقنا في الشعارات، والماضي، وتشاغلنا بالصراعات، وشيوع الفوضى والفساد وغياب العدالة والقانون، وانعدام البصر والبصيرة.
 
يقال هذا الكلام، لكل من يبيع الناس وهما، حول ان نهضة العرب، قريبة، إذ لا المعجزات قادرة على نهضتهم، ولا الرياضيات تثبت احتمال ذلك، وسنواصل تراجعنا، يوما بعد يوم، ما دامت هذه الأحوال باتت مزمنة بقبول الأنظمة والشعوب معا، ولو سقطت الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل معا في ليلة واحدة، فلن نكون ورثتهم في الأرض، اذ ينتظر الصينيون والروس، وغيرهم من أمم، فيما نحن نتفرج وننتظر حلا من غامض الغيب، دون ان نعترف اننا نعيش في عالم لم يعد صالحا للحياة.
 
الغد