في عيد ميلاد الملك
مرت سنوات الحسم مع عبدالله الثاني، وكأنها بالامس .. وكم يتسارع الزمن بعد العشرينات .. ولكن التغييرات كانت تحديا، والاردن في عين العاصفة، انتظر الاردنيون معجزات في زمن لم تعد به معجزات .
وانا على مقعد الدراسة الجامعية اذكر خبر رحيل الملك الحسين، وتولي الملك عبدالله الثاني للحكم .. وانا من جيل المملكة الرابعة ، ومملكة عبدالله الثاني، وعيي ونضجي السياسي ولد وتمكن في المملكة الرابعة .
ومن عهد الملك الحسين ذكريات وخيالات الطفولة، وسرديات عامة يتناقلها الناس حول احداث ايلول وحرب الخليج الاولى، وحرب الكرامة وهزيمة 67، والصراعات والتحديات الكبرى في الداخل والخارج التي خاضها الاردن في عهد الملك الحسين .
الملك عبدالله غير كثيرا في ادارة الحكم، وغير في ملفات اردنية كبرى .. وفي ملف الاصلاح السياسي مضى دون تردد، ورغم الظروف الاقليمية المحدقة بالفوضى والحروب والصراعات والمخاطر المتناثرة .
عدل الدستور، وولدت المحكمة الدستورية ومجلس الامن القومي ، وسياسيا انتهى عصر مطاردة الاحزاب والملاحقة الامنية، ودخلت الاحزاب الى حيز الامان السياسي، والاعتراف بالاحزاب والقفز نحو مشاركة اكبر واوسع للاحزاب في الحياة السياسية .
الاردن دولة ديمقراطية، ونظامها السياسي ديمقراطي، ولا يقوم على حكم الرجل الواحد .. برلمان وحكومة ومو?سسات مجتمع مدني واحزاب واعلام .. ديمقراطية تشاركية وتنوع وتعدد يثري السياسية الاردنية .
و مشاركة الناس تتوسع في الحياة السياسية سواء عبر الاحزاب او غيرها .. ومشروع لامركزية في كل محافظة، وحكم بلدي جديد يزيد من تمكين الناس في المشاركة في صناعة القرار .
الاردن خارجيا، الملك عبدالله غير في قواعد اللعبة السياسية، وعلاقتنا مع الخارج اصبحت اشد قوة ومتانة، وفي العلاقة مع واشنطن والاتحاد الاوروبي، والاردن دول راكزة وهامة على خريطة الشرق الاوسط ، وليكون الاردن شريكا ولاعبا مهما اقليميا ودوليا، وفي العلاقة مع دول العالم الاخرى الملك عبدالله جعلها مجدية وفي مصلحة الاردن سياسيا واقتصاديا .
وفي العلاقة مع واشنطن ومع اختلاف الادارات بقيت وازنة وحكيمة .. وفي العلاقة مع اسرائيل واتفاقية السلام «وادي عربة « يحارب الاردن لحماية الحقوق الفلسطينية الوطنية والتاريخية المشروعة .
الاردن بارادة الحكمة والعقل والسياسية الواعية يملك ادوات تاثير في مراكز القرار الامريكي .. نعم، لا نملك ثروات ولا مالا، ولا نصنع علاقة لوبي في المجتمع السياسي الامريكي بالمال وغيره .. وانما نملك ادوات خطاب للقوى الناعمة والمو?ثرة، خطاب سياسي تقدمي وعقلاني، وخطاب سياسي يعرف كيف يدافع عن مصالح الاردن العليا .
العالم تغير ما بعد 11 ايلول ..والحرب الكونية على الارهاب، وتنوع اجندات امريكا في العالم ومشروعها في محاربة الارهاب، والربيع العربي في عهد اوباما، وموجة الثورات والثورات المضادة والحروب والفوضى .
و في العلاقة مع روسيا استطاع الاردن خلق توزان وان يقترب نحو روسيا كقطب دولي اساسي في هندسة النظام العالمي . والاردن لم ينتظر ضوء اخضر من واشنطن وتحرك صوب موسكو وبكين ، وهناك تفاهمات اردنية / روسية استراتيجية بخصوص الحرب في سورية والعراق، وازمات عربية كثيرة .
هذه السطور لا تكفي لاختصار قيادة الملك عبدالله . وما علينا ان نفهم وندرك انه قائد وزعيم قوته من شعبه، والشعب هو الملهم وفاتح الطريق نحو المستقبل .. في الاردن ثمة صعاب وتحديات كبرى، والاردنيون يثقون في حكم وقيادة الملك، والنظام السياسي الاردني هو الرابح الاكبر من لحمة الملك والشعب والبناء الوطني التشاركي والمتعاضد .
نحتفل اليوم بعيد الميلاد الستين لجلالة الملك .. ونشعر اكثر اننا اكبر واقوى واكثر ثقة بالمستقبل والغد الجميل الاتي .