من وراء الهجوم على شيخ الأزهر في «أم بي سي» ؟!
لا جديد في مصر، غير أنهم قرروا إهانة شيخ الأزهر، ولم تكن هذه المرة الأولى!
فاللقاء غير المبرر، على الاطلاق، الذي جمع عمرو أديب في القناة السعودية «أم بي سي» مع من تم وصفه بـ «الباحث الإسلامي الكبير» جاء مفتعلاً، وغايته هو الحط من كرامة الشيخ أحمد الطيب، وبين الحين والآخر، يفعلون ذلك، في وقت يشكو فيه الرجل من أن الأزهر محاصر اعلامياً، ولا يسمح له بالدفاع عن نفسه في القنوات الفضائية، أو عرض الحكم الديني فيها!
وليس مرد هذا هو الفصل بين الدين والفضائيات، أو بين الأزهر والإعلام، فالحقيقة أن شيوخاً بعينهم حاضرون في القنوات التلفزيونية التي تملكها السلطة، التي جعلت من إذاعة القرآن الكريم ملكية خاصة لوزير الأوقاف، رغم أن حضوره يزعج المستمعين، ازعاجه للمشاهدين، وقد احتل «منبر التلفزيون» في كل جمعة، وإن كان قد توقف مؤخراً هذا الاحتكار نسبياً، مما أغرانا بالعودة لمشاهد نقل وقائع صلاة الجمعة، فإننا ما أن نراه يعتلي المنبر، حتى ننتقل إلى ماسبيرو زمان!
وعن الشيوخ الذين تفتح لهم القنوات التلفزيونية الرسمية، حدث ولا حرج، فهناك خالد الجندي الذي يقدم برنامجاً عبر قناة أهل الحكم «دي أم سي» وهو اهتمام مرده إلى النكاية في الشيخ الطيب، الذي لا يرتاح له، وعندما أطلق الجندي نيابة عن ممولين مجهولين قناة «أزهري» باعتبارها تعبر عن الأزهر، أصدرت مشيخة الأزهر بياناً تعلن فيه براءتها من القناة، وخالد الجندي يجري تصعيده أمنياً منذ أن عثر عليه خيري رمضان قبل أن يعمل مذيعاً، على أحد المقاهي، وجلبه لتفسير الأحلام في مجلة «الأهرام العربي»!
تصرفات المفتي ووزير الأوقاف
والإبقاء على وزير الأوقاف كل هذه الفترة، سببه في الأصل والفصل، أنه خرج بتحريض أمني من عباءة شيخ الأزهر، مع أن الشيخ تدخل لحمايته عندما قامت الجمعية الشرعية بفصله من عضوية مجلس ادارتها بعد الثورة، لأنه كان ممثل جهاز مباحث أمن الدولة فيها، فشغل منصب مدير مكتبه، وصعده داخل الكلية ليكون في موقع فيها أعلى من منصب رئيس مجلس إدارة الجمعية الشرعية، الأستاذ بالكلية!
بيد أن مختار جمعة، الذي كان يتودد لطالب في الجامعة هو أحمد البقري، رئيس اتحاد طلاب جامعة الأزهر، ليقربه من الحكم الإخواني زلفى، عندما وجد الشيخ غير مرضي عنه من جانب السلطة تركه واندفع إلى جوارها، وكذلك فعل المفتي، الذي عين من قبل هيئة كبار العلماء التي كانت ثورة يوليو 1952 قد ألغتها، واعادتها ثورة يناير!
والمفتي من الاختيار الحر المباشر للشيخ أحمد الطيب، وقد زكاه لدى الهيئة، واستغل جهل كثيرين من أعضائها بشخصه في تزكيته لهم، لكنه الآن ذهب بعيداً!
وتحتفي القنوات التلفزيونية كذلك، بأستاذ في جامعة الأزهر، وصف السيسي ووزير داخليته بأنهما نبيان. كنبي لبنان «نشأت» وأنهما كموسى وهارون، قبل أن ينقلب النبي الأول على النبي الثاني ويعزله. وجانب من هذا الاحتفاء به، وفرضه تلفزيونياً مرده أنه يقدم نفسه منافساً على منصب شيخ الأزهر وبديلاً للطيب، ونظراً لأن الأزهر حذر من بعض هرطقاته!
وعندما لم يجد عبد الفتاح السيسي أن شيخ الأزهر يؤوب معه، ويؤسس لفكرة أنه مجدد شباب الدين، ورفض توجهه في موضوع الطلاق الشفهي، وفي تجديد الإسلام، احتضن عبدو مشتاق، الذين عينه رئيساً لجامعة القاهرة، والذي أبدى عملياً أنه في الخدمة، لكن شيخ الأزهر حرقه على الهواء مباشرة، في مؤتمر ديني كبير، وأظهره بأنه ليس على شيء، وفي اليوم التالي كان وزير الأوقاف ومفتي الديار في زيارته في مكتبه في جامعة القاهرة، في إشارة لا تخطئ العين دلالتها!
لحاجة في نفس إبليس
المستهدف اذاً هو الدكتور أحمد الطيب بشخصه وصفته، ومن هنا كان افتعال معركة ضرب المرأة، في حلقة القناة السعودية، التي قدمها عمرو أديب!
أما أن الأمر كله مفتعل، فلأن رأي الشيخ هذا قديم وليس حديثاً، ومنذ سنة 2019، وإذا أفلس التاجر فتش في دفاتره القديمة، فضلاً عن أن الرأي لم يقدم كاملاً، إنما تم اقتطاع بعض الكلمات من سياقها لحاجة في نفس إبليس، والشيخ وإن كان تحدث عن التسلسل في التعامل مع الزوجة في حال نشوزها، بدءا من الموعظة، فالهجر في المضاجع، فالضرب غير المبرح، فقد ذكر إن الضرب ليس فرضاً أو سنة، وأنه يتمنى أن يعيش حتى يرى تشريعات تحرم الضرب (مطلقاً) وتعامل الضارب معاملة المجرم!
لكن الغرض مرض، فكانت حلقة برنامج عمرو أديب، التي تستهدف في الأساس اهدار كرامة شيخ الأزهر، فلم يستدع عالماً ليناقش الشيخ، وإنما جاء بمن يتم تصنيعه في المختبرات الأمنية، وهو ليس من أهل الذكر، وإذا كانت أعلى محكمة في الدولة المصرية اتهمته بازدراء الدين الإسلامي، فكيف يتم استدعاؤه لمناقشة رأي يخص هذا الدين؟ فترك الموضوع وأمسك في شخص الإمام الأكبر، وهذا هو المطلوب!
والمدهش – وليس هناك ما يدهش في أحوال أهل الحكم في مصر – أن يتم التعريض بشيخ الأزهر في برنامج تلفزيوني دون تمكينه من الدفاع عن نفسه، ودون أن يكون في مواجهة من يهاجمه من يمثل الموقف الآخر، لأن المهمة تقتضي هذا الغياب، وبحضور من يتم تمكينه من انتحال صفة ليست له، وقد منحها له عمرو أديب بسخاء بالغ وهي «الباحث الإسلامي الكبير» فأين أبحاثه وأين دراسته ليتم تقديمه على هذا النحو؟!
إن الجامعات الرصينة، تطلق عند مناقشة رسائل الدكتوراه، فضلاً عن الماجستير، لقب «الطالب» على صاحب البحث، ويتلعثم من يناقشه إذا وصفه بـ «الباحث» فكيف صار «الباحث» مهنة من لا مهنة له؟!
وفي دولة لا يحل للصحف أو القنوات التلفزيونية، التعرض لوكيل وزارة إلا بإذن، فان تخصيص حلقة للهجوم على «الإمام الأكبر» لا يمكن أن تكون اجتهاداً من مذيع أو من معدي برنامج تلفزيوني، وقد رأينا كيف نشر عبر منصات التواصل الاجتماعي قضية فساد كبرى في وزارة الصحة، ثم اختفت الوزيرة لأكثر من شهرين، دون أن يجرؤ برنامج تلفزيوني واحد في أي قناة على طرح سؤال حول حقيقة هذه القضية؟ أو حتى سؤال أين الوزيرة؟!
وعندما يتم التطاول على مقام شيخ الأزهر، فلا يحرك المجلس الأعلى للإعلام ساكناً، فلا نلام إذا قلنا إن مقدم البرنامج مسير لا مخير، وفيما هو دون ذلك تدخل المجلس فعطل برامج وأوقف مذيعين. وعندما يتصرف المفتي على قواعد كيد النساء، وينشر على صفحة الدار: «الرجال لا يضربون النساء» فإن الرؤية تكون قد اتضحت!
لقد كنت قريباً من الدكتور فرج فودة عندما نشرت له جريدة «الأهالي» المعارضة مقالاً ضد شيخ الأزهر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق، في منتصف الثمانيات، وفي اليوم التالي كان الشيخ مع الرئيس، وعلمنا أن مبارك اتصل هاتفياً بخالد محيي الدين، رئيس حزب التجمع الذي يصدر «الأهالي» غاضباً، ولعله كان المقال الأخير لفرج فودة في هذه الصحيفة اليسارية، ولم يكن الشيخ جاد هيناً ليناً مع مبارك، فقد كان يدرك قيمة منصبه، فلم يكن يستجيب لتوجه رئاسي له فيه رأي مخالف!
لست في معرض المقارنة بين مبارك والسيسي، فأي مقارنة بين الأخير وأي حاكم مصري معروفة نتيجتها سلفاً، فالراسخون في الصحافة يفكرون قبل المرة ألف مرة قبل التعرض لمقام شيخ الأزهر، وحتى عندما جرى التطاول على كل المقامات في فترة الثورة، ظل مقام شيخ الأزهر محفوظاً، بل تم التأكيد على تقديره من كل الأطراف حتى في فترة التنازع!
مشكلة الشيخ الطيب في اعتزازه بنفسه وبكرامة الأزهر، والمطلوب تقزيم كل المؤسسات وكل الأفراد، وإن صارت سلطة الجنرال ممتدة لتعيين كل رؤساء مؤسسات الدولة، فالأزهر له حصانة بحكم الدستور، الذي وضع في عهد الرئيس مرسي، ولم يستطيعوا الاقتراب من هذه النصوص في دستور الانقلاب، فهل هناك نية لتعديل الدستور، لإزالة هذا التحصين، ولا بد من أن يسبق هذا اهدار كرامة الأزهر وشيخه، و»أول الرقص حنجلة»؟!
العب بعيد يا عمرو!
سليم عزوز
صحافي من مصر