مرضى غزة بين فكيّ الابتزاز والمنع الإسرائيلي من الحصول على العلاج

تزامناً مع اليوم العالمي للسرطان الذي يصادف 4 فبراير/ شباط من كل عام، يستذكر مرضى قطاع غزة معاناتهم المضاعفة بسبب عدم قدرتهم على تلقي العلاج، سواء بسبب الإجراءات الإسرائيلية التي أدت لوفاة الكثيرين منهم إثر حرمانهم من مغادرة القطاع للوصول للمشافي الإسرائيلية، أو نتيجة تحويلهم إلى مشافي الضفة الغربية، حتى لو لم يتوفر فيها العلاج المناسب.

وفي قطاع غزة، يعيش أكثر من مليوني فلسطيني بانتظار قرارات لتسهيل وصولهم العلاج، فوفقاً للمرصد الأورمتوسطي لحقوق الإنسان تمنع إسرائيل سنوياً نحو 50 بالمئة من مرضى القطاع من الحصول على الرعاية الصحية، فيما يعاني الجهاز الصحي من نقص حاد في المستلزمات الطبية، جراء استمرار فرض الحصار الذي دخل عامه الـ17.


يروي "أبو أحمد” معاناته لـ”القدس العربي”، وقد فضل عدم الكشف عن اسمه، خشية اتخاذ إجراءات عقابية بحقه سواء من قبل إسرائيل أو السلطة الفلسطينية المسؤولة عن ملف التحويلات الطبية للعلاج بالخارج.

يقول أبو أحمد (47 عاماً) إن معاناته مع أحد أنواع أمراض أورام الدم المسمى "فقر الدم اللاتنسجي”، بدأت أول مرة عام 2016، عندما ظهرت عليه علامات تصبغات جلدية غير معروفة السبب، حتى أن بعضاً من أقاربه نصحه بمراجعة أطباء الأمراض الجلدية، لكنه فُجع بحقيقة أنه مصاب بهذا المرض الذي يصنف على أنه أكثر أورام الدم ندرة.

ومنذ قدوم السلطة الفلسطينية للقطاع بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1996، يعتمد مرضى غزة على سياسية تلقي التحويلات الطبية من دائرة شراء الخدمات الصحية التابعة لوزارة الصحة الفلسطينية، والتي عادة ما ترفد مرضاها للمشافي المصرية، وتلك الواقعة داخل الخط الأخضر والضفة الغربية، وهو ما تضاءل لأكثر من النصف بعد تولي حركة حماس زمام الحكم في القطاع عام 2007.
يشير "أبو أحمد” إلى أنه بعد سلسلة طويلة من العلاجات التجريبية لأمراض غير ذات صلة بالأورام، تمكن أخيراً من معرفة إصابته بالنقص الحاد للصفائح الدموية، وذلك بعد إجرائه فحوصات الدم التي أثبتت بعد الحصول على عينات ضرورة خضوعة لعملية زراعة نخاع خارجي، وهو ما  اصطدم بعراقيل كبيرة، لم يكن آخرها المنع والحرمان من مغادرة القطاع لتلقي العلاج.

وعن هذا يقول: "بعد ثبوت إصابتي بهذ المرض، تلقيت كميات كبيرة من العلاجات التي لا تعالجه بالدرجة الأولى، ولكنها كانت علاجات مؤقتة حاول من خلالها الإطباء الإبقاء على حياتي وإطالة عمري مع المرض، أملاً في الحصول على تحويلة طبية”، مرجعا ذلك إلى نقص الأدوية اللازمة لعلاج مرضى السرطان في قطاع غزة.

وأضاف: "بدأت أفقد الأمل في إمكانية أن استمر على قيد الحياة، داهمتني الفيروسات، ومضاعفاتها بسبب النقص الحاد في المناعة، وهو ما دفع الأطباء أخيراً لاتخاذ قرار بتحويلي لمستشفى النجاح في نابلس، والذي فشل هو أيضاً في منحي العلاج المناسب، ليتقرر بعدها تحويلي إلى مستشفى هداسا عين كارم في الداخل المحتل”، مؤكداً أنه خضع بعد ذلك لجملة من الفحوصات والعينات التي اتخذ الأطباء هناك على ضوئها قراراً بإجراء عملية زراعة النخاع”.

وتابع "رغم أهمية قرار إجراء العملية بالنسبة لي، وسعادتي بأن هناك أملا في البقاء على قيد الحياة، لكن باباً آخر من الوجع فُتح على مصراعيه في وجهي، بعد أن بحثنا كثيراً عن أنسجة نخاعيه متطابقة، وهو ما ثبت بالفعل بعد أن تطابقت النتائج مع إحدى شقيقاتي، ومجدداً منعت هي الأخرى من الوصول إلي دون مبررات واضحة من قبل الجانب الإسرائيلي”.

وأكد أنه خلال الرفض المتواصل والحائل دون وصول شقيقته، أصيب بجملة مضاعفات أدت لفقدان جزئي للبصر بسبب نزيف دموي حاد في شبكية العين، وهو ما دفع الطبيب المعالج في المشفى المذكور إلى التواصل مع المخابرات الإسرائيلية لتأكيد ضرورة السماح لشقيقته بالوصول قبل فوات الأوان، وهو ما تم بالفعل بعد شهرين متتالين كاد أن يفقد حياته خلالهما.

وعما إذا كان معاناته مع المرض قد انتهت بعد إجراء العملية قال: "بعد إجراء العملية تعرضت خلال المواعيد التالية للمراجعة لسلسلة من الإجراءات التي اعتقد أنها عقابية لمجرد أنني من قطاع غزة.

وأوضح أنها كانت تتأرجح بين المنع المتكرر إذ كان بحاجة للمغادرة مرة كل نحو عشرة أيام، إضافة لإبقائه في إحدى المرات لأكثر من 20 ساعة قيد الانتظار عند حاجز إيرز الواقع تحت السيطرة الإسرائيلية، أو التحقيق معه من قبل المخابرات الإسرائيلية، وليس انتهاءً بالعبارات العنصرية التي كان يتلقاها من ممرضته في كل مرة كان يُضطر للتأخر بسبب الإجراءات الإسرائيلية المعرقلة لوصوله، حتى أنها في إحدى المرات قالت له: "لما تتأخر إرجع غزة وما بدنا نشوفك”.

ويعاني "أبو أحمد” الأن من معاناة مضاعفة، إذ حُرم لمرات عديدة من الوصول للمستشفى، حيث كانت المرة الأخيرة له في 27 فبراير/ شباط 2020، لكنه لم يعد قادراً بعد هذا التاريخ من الوصول للعلاج، مشيراً إلى أن السبب لا يقف عند الرفض الإسرائيلي فحسب، بل في تعنت السلطة على عدم إصدار تحويلات طبية إلا لمشافي الضفة الغربية التي أقرت عدم وجود علاج لحالتي.

وأردف: "رغم يقيني بأن علاجي غير متوفر في الضفة الغربية، إلا أنني تقدمت بطلبات عديدة للحصول على تحويلة طبية، لكنني حتى اللحظة لم أحصل على أي إجابة، إذ كانت المرة الأخيرة التي قدمت فيها طلباً في أكتوبر/تشرين أول 2021″، متسائلاً عن المستفيد من مضاعفاة معاناة مرضى غزة.

"أبو أحمد” ليس الوحيد، فالسبعيني جود الشيخ، هو الأخر يقاسي الأمرين بسبب إصابته قبل عامين ونصف بسرطان المستقيم والكبد، فيما ترفض مشافي الضفة الغربية استقباله، ليخوض مجدداً معركة يقاتل فيها وحيداً مع النقص الحاد في الأدوية الخاصة بالسرطان في غزة.



وعن هذا قال لـ”القدس العربي: "بعد جهود كبيرة حصلت على تحويلة علاجية لمستشفى النجاح بالضفة الغربية في فبراير/شباط الماضي، وفي الأثناء رفض الاحتلال لي السماح باصطحاب مرافق، بما في ذلك زوجتي أو شقيقتي، وهو ما دفعني للذهاب والعودة وحيداً، رغم حاجتي الشديدة لمن يساعدني”.

وأوضح أن تحسناً كبيراً طرأ على حالته، قبل أن يكتشف لاحقاً إصابته مجدداً بخلايا جديدة، دفعته لخوض تجربة مريرة لمحاولة مغادرة القطاع، وهو ما تم بالفعل قبل أن يفاجأ مجدداً بطبيبته تطلب منه العودة إلى قطاع غزة، "بادعاء أن تاريخ تحويلتي قد انتهى وأنه لا يوجد علاج مناسب لحالتي”.

دوامة المنع والحرمان من تلقي العلاج، ومغادرة قطاع غزة، بالتزامن مع تشديد الإجراءات العقابية من قبل إسرائيل، واتخاذ السلطة الفلسطينية قرارات بمنع التحويل للمشافي الإسرائيلية، كل هذا فاقم من أعداد الوفيات في صفوف مرضى السرطان.

في السياق، تقول الإحصاءات الصادرة عن المنظمات الحقوقية بغزة إن إسرائيل منعت سفر نحو 51 ألف مريض من أصل 179 ألفا و746، طلبوا الخروج للعلاج في مستشفياتها أو في الضفة الغربية، في الفترة بين يناير/كانون الثاني 2008، وديسمبر/ كانون الأول 2018.

وتضيف التقارير أن إسرائيل منعت خلال العام الماضي 35 بالمئة من مرضى غزة المحتاجين للعلاج في المستشفيات الإسرائيلية أو مستشفيات الضفة الغربية، من التنقل عبر "إيرز”.

وبحسب وزارة الصحة بغزة، فإن عام 2017  شهد وفاة 17 حالة بينها 10 حالات من مرضى السرطان، بواقع 2 من الرجال و8 من النساء، كما قام الاحتلال باعتقال 3 من المرضى على معبر بيت حانون إضافة إلى 3 آخرين من المرافقين للمرضى.

فيما ارتفعت الأرقام عام 2018 لتشهد وفاة 56 حالة مصابه بأمراض مزمنة كالسرطان والفشل الكلوي، لم تسمح لها إسرائيل بالعلاج خارج غزة، فيما بقيت الكثير من الحالات ذات الأمراض الصعبة تعاني داخل القطاع.

ويرجع مختصون الارتفاع الكبير في حالات مرض السرطان في قطاع غزة، لتعرضها لأربع حروب طاحنة، استخدمت فيها إسرائيل أسلحة صنفت بحسب تقارير دولية على أنها محرمة دولية، حيث لا يزال سكان القطاع يعانون من تداعيات الحرب الأولى عام 2008، فيما يؤكد المراقبون أن سنوات من المعاناة تنتظر الفلسطينيين هناك، بسبب تلوث مكونات الحياة كافة.
القدس العربي