من بريتني إلى شيرين: لماذا تربكنا المرأة حليقة الرأس؟

في فبراير/ شباط 2007، دخلت المغنية الأمريكية بريتني سبيرز إلى صالون لتصفيف الشعر في لوس أنجلوس، وطلبت من مصففة الشعر إستر توغنوتزي أن تحلق لها شعرها تماما.

وحين رفضت الأخيرة مخافة أن تُقاضى بسبب "تخريب صورة الفنانة”، تناولت سبيرز ماكينة الحلاقة ومررتها على رأسها لتحلق شعرها بالكامل، في حركة تمكن مصورو الباباراتزي من التقاطها، لتصبح إحدى الصور الأيقونية في الثقافة الشعبية حول العالم.
لا تزال صورة سبيرز التي تظهرها تضع ماكينة الحلاقة على رأسٍ عارٍ إلا من خصل قليلة لم تكن قد انتهت منها بعد، تُنشر على الإنترنت باستمرار، مربوطةً بالانهيار النفسي الذي أصابها في خضم مشاكل شخصية واجهتها آنذاك بعد انفصالها عن زوجها وقبيل انتزاعه حضانة طفليها ووضعها تحت وصاية والدها التي استمرت 13 عاما.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2021، انتشرت صورة للمغنية المصرية شيرين عبد الوهاب وقد حلقت شعرها بعد أخبار عن انفصالها عن زوجها حسام حبيب.

أثارت الصورة ضجة كبيرة حيث فسّر غالبية المعلقين خطوة الفنانة بسوء الحالة النفسية التي تمر بها.
وإذا كان إقدام المرأة على قص شعرها طالما رُبط بحالتها المزاجية، لكون الشعر جزء يسهل تغييره في جسد مائل إلى الثبات، يبقى وصم المرأة التي تقدم على خطوة كهذه بالاضطراب النفسي، مثيرا للجدل ويدل على أبعاد أخرى ذات طبيعة اجتماعية وثقافية.
وعلى الرغم من قيام ممثلات أجنبيات في السابق بحلق رؤوسهن لخدمة أدوار معينة، مثل ديمي مور ونتالي بورتمان وتشارليز ثيرون، يبدو أن الجدل يثار فقط عندما تكون رغبة المرأة وإرادتها هما الدافع وراء هذه الخطوة. وقد تدلّ الصدمة التي يبديها الجمهور إزاء المرأة حليقة الرأس في هذه الحالة على ما هو أعمق في نظرته إلى المرأة.

حُمّل شعر المرأة تاريخياً دلالات ومعانٍ كثيرة. فهو مربوط دائما بجنسانيتها، وبمفهوم الأنوثة بصورة عامة، إلى جانب اعتباره سمة أساسية في الفصل النهائي بين الرجل والمرأة.

فعلى سبيل المثال كان لشعر رابونزيل الطويل قدرات عجائبية في الحكاية الألمانية الشهيرة. وقبل ذلك اشتهر شعر ميدوزا الذي حوّلته الإلهة أثينا في الأسطورة الإغريقية إلى خصل من أفاعٍ عقابا لها.

فكما تروي نسخة من الأسطورة، قام الإله بوسيدون باغتصاب ميدوزا في معبد أثينا، وهو الذنب الذي حمّلته القصة للمرأة الضحية لأنها "أغوت” الرجل، ما استدعى عقابها بانتزاع قدرتها على الغواية منها.
وبعيدا عن الأساطير، احتل شعر المرأة مكانة خاصة في الأديان السماوية الثلاثة.

بحسب الشريعة اليهودية (الهالاخاه) يجب على المرأة اليهودية بعد الزواج أن تغطي رأسها في حضور رجال من خارج العائلة. ولدى طائفة الحريديم، لا يزال شائعا أن تضع المرأة المتزوجة شعرا مستعارا، يسمى في اللغة اليديشية "شيتل”.

كما تقوم بعض النساء بحلاقة رؤوسهن تماما قبل وضع الشعر المستعار، لإظهار المزيد من الالتزام تجاه الدين والزوج.
وفي المسيحية، تُعد رسالة القديس بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، المرجع الوحيد في هذا المجال، حيث دعا المرأة إلى تغطية رأسها (لأن "الرجل هو رأس المرأة” كما ورد في الفصل الخامس من رسالة بولس إلى أفسس) مبدياً نفورا من المرأة حليقة الرأس: "وأما كلّ امرأَة تصلي أو تتنبَّأ ورأسُها غير مغطى، فتشين رأسها، لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه”. ويضيف في الرسالة نفسها "المرأة، إِن كانت لا تتغطّى، فليقصّ شعرها.

أما في الإسلام، فإن الفقهاء ورجال الدين يستندون إلى مجموعة من الآيات القرآنية التي جرى غالبا تفسيرها بوجوب ارتداء النساء غطاء للرأس وأماكن أخرى من الجسد مثل العنق والصدر، أمام الرجال من غير المحارم، وأبرزها الآية التي ترد فيها جملة "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ” (النور 24/ 31).
امرأة تنظر إلى شاشة كمبيوتر تعرض صفحة من موقع المزاد على الإنترنت Ebay مع خصلات شعر بريتني سبيرز للبيع، تم تصويرها في 19 فبراير 2007 في لندن.
خصلات شعر بريتني سبيرز معروضة للبيع على موقع إيباي في فبراير/ شباط 2007
"مشهد قذر”
تذكر الكاتبة الأمريكية سوزان بروانميلر في كتابها "أنوثة” بعض النصوص لكتّاب طهرانيين في إنجلترا في القرنين السادس عشر والسابع عشر، تشدد على الفصل الضروري في مسألة الشعر بين الجنسين.

على سبيل المثال، يرى كاتب المناشير فيليب ستابز أن الشعر الطويل للزوجة هو "علامة الخضوع” التي منحها الله لها أمام "زوجها وسيّدها”.