فارس حباشنة يكتب : مؤنس الرزاز...

تكتسب الذكرى العشرين لوفاة الروائي مؤنس الرزاز رمزيتها من قدر ما تلهمه من اسئلة حقيقة حول مستقبل الثقافة في الاردن .

و اذا لم نطل على عشرينية رحيل الروائي الرزاز ، فان الذكرى تقارب اعلان وفاة الثقافة الاردنية ، واشبه ما يقام بمواسم عزاء للثقافة والمثقف الاردني .
مؤنس الرزاز ارتبط اسمه باوسع عملية بناء ثقافي وسياسي في الاردن الحديث .
و لربما ان الرزاز قاطع السياسة وخلعها ، وكان اكثر قربا من الثقافة والادب والكتابة الصحفية .
فكان من المؤسسين الكبار في الثقافة الاردنية ، كتب الرواية والقصة القصيرة ، وكتب الشعر ايضا .
ما بين السياسة والثقافة ثمة تجليات كثيرة في شخصية مؤنس الرزاز واخرون ، وتستحق التوقف عندها بالبحث والدراسة .
جدلية المثقف والسلطة ، ومتى يبنعث المثقف التنويري والمتلزم في المجتمع ؟ ومقاربات السياسة والثقافة مابين التقاطع والقطيعة .
و نموذج مؤنس الرزاز مارس في مراحل متاخرة من حياته القطيعة مع السياسة ، وانحاز الى مربع ودور المثقف التنويري ، والمثقف المتلزم والاستشرافي .
و في رواياته « متاهة الاعراب في ناطحات السراب « ويوميات نكرة ، واعترافات كاتم الصوت ، استشراف ادبي مستقبل العالم العربي السياسي وازمة طبقة الحكم ، وانهيار انظمة سلطوية ، والديمقراطية الجديدة ، وكاتب الغد ، ولقد كتب سيرة الغد ومضى .
و اية مراجعات لتجربة مؤنس الرزاز ، فلا شك انها شهادات حية على العصر ، وتصورات ادبية سبقت تحولات وتغييرات كبرى هزت الاردن والعالم العربي .. ولربما في حركة التاريخ التغيير لا ياتي من فراغ وعدم ، وحتى المصادفات وان طارت فان مفعول نسبتها المئوية محدودة .
وفيما كتب مؤنس الرزاز في رواياته فهي مرايا تواجهنا بحقيقة ما نحن عليه وما هو قادم ، لربما هم كتاب قليلون عرفوا كيف يقتربون من نبوة الكتابة ولغة الاستشراف ، والاقتراب من لعبة المرايا .. وهذا ما مارسه مؤنس الرزاز ، وهو قابض على جمر التاريخ ، وما ان نعيد اليوم قراءة رواياته حتى نتاكد اننا في غمرة حقيقة تاريخية بطعم العلقم .
مؤنس الرزاز دشن في الثقافة الاردنية مشروعا نهضويا وتنويرا .. واسهم في انتشار حركة الكتابة والنشر ، والابداع ، وازدهرت الحركة الثقافية ، والاهتمام بالصحافة والفن والمسرح والابداع ، وواكب ذلك تحولا في ديمقراطية الاردن ما بعد ربيع هبة نيسان في 89 .
الثقافة روحها الحرية ، وعدوها القمع والاستبداد . في مستهل هذه السطور ، اعلنت وفاة الثقافة والمثقف الاردني .. وما يعنني وانا اكتب في ذكرى رحيل روائي اردني ان الثقافة والابداع لا تولد بالمقايضة ووفرة ادوات الاستهلاك ..
تابعت اخبارا عن ندوات اقيمت في مؤسسة شومان وجامعة اليرموك احياء لذكرى وفاة مؤنس الرزاز ، وبانتظار فعاليات اخرى واحد منها ستقام في مدينة السلط مولد راس مؤنس الرزاز ، وقد دعا اليها الصديق بلال خريسات رئيس منتدى جلعاد الثقافي .
النهوض السياسي والثقافي والاعلامي متلازمان ، وكل منهما يحتاج الى الاخر لا ستكمال ادوراهما .. وفي مراجعة ارث الرزاز تلامس هذه المقاربات في العلاقة المتوازية ما بين الثقافي والسياسي والاعلامي ، وطرح سؤال كيف ننهض ؟
الكتابة عن روائي راحل ليست سهلة .. ولربما ليس عاديا ، كيف تقول للراحل من اخبار امس ، ان شيئا لم يتغير ، وما صار في منطقتنا التي كانت عربية ، وتراجع المشروع الديمقراطي، ومحو هويتها وتزوير تاريخها وتهجينها في احتلال جديد وحركات انفصالية ، وحتى اصبحت مشاعا للاقوياء .
من عشرين عاما رحل مؤنس الرزاز ، وسيبقى حاملا لكلمة التنوير والنهوض العربي .. ومؤمنا بان العرب امة لا يموتون ، ولابد ان يحيوا ، وانهم قادمون للتاريخ ، ولن يرحلوا.
و في ذكرى من لا يموتون ، فتبقى الكلمة وحبرها سرا في الخلود والديمومة ، فحامل القلم والرسالة لا يغيب ولا يموت