في وداع الكلالدة يبقى سؤال النزاهة والاستقلالية

يُغادر الدكتور خالد الكلالدة موقعه كرئيس لمجلس مفوضي الهيئة المستقلة للانتخاب الشهر القادم، بعد أن أمضى 6 سنوات في سدة رئاستها، وإدارتها، وبعد أن يُشرف على انتخابات مجالس المحافظات، والبلدية، وأمانة عمان في 22 من شهر آذار الجاري.
كنت محظوظا حين أدرت الحوار معه في المنتدى الإعلامي الذي ينظمه مركز حماية وحرية الصحفيين بدعم من شركة زين الشهر الماضي، وقبل أيام شاركت بحوار آخر معه مخصص للكتاب الصحفيين، وفي كلا اللقاءين كان الكلالدة جريئا، وشجاعا في طرحه، وإجاباته، يُناور قليلا، ولكنه يعرف تفاصيل المشهد، والحقيقة دون إنكار أعطى للهيئة هيبتها، وكرس مكانتها، وساهم بشكل فعال في حضورها، وتطورها المؤسسي، وتجويد عملها.
بعد ما يُقارب 10 سنوات على تأسيس الهيئة المستقلة للانتخاب كمطلب شعبي وحقوقي، وثمرة للربيع الأردني عام 2011، فإنها للأسف لم تحظَ حتى الآن برضى الناس، والنخب السياسية، وما تزال عرضة للنقد، والتشكيك، وإن قلصت قليلا، وبشكل فعلي من حاجز الثقة، وحدت بشكل لافت من تدخلات الحكومة العلنية والسافرة، والأهم أنها حوكمت العملية الانتخابية وفق المعايير الدولية.
كانت الانتخابات وستبقى عنوانا لبناء الديمقراطية، والمشاركة السياسية، وقبل تأسيس الهيئة المستقلة للانتخاب كانت أصابع الاتهام توجه للحكومة بالتلاعب، والتزوير، وبعد تأسيس الهيئة لم تتوقف الاتهامات، رغم أن كل الطعون ردتها المحاكم، وظل سؤال النزاهة، والشفافية قائما، وبقيت الروايات الشفهية المتداولة، والقصص التي يحكيها الناس عن التجاوزات تخدش صورة المشهد.
ونحن على أبواب الانتخابات، يظهر سؤال النزاهة أكثر سؤال ملح، ومشروع، ويرتبط بالعملية الانتخابية برمتها، وعلى الدولة الأردنية أن تُجيب عليه بممارسات تُنهي حالة التشكيك، فالهيئة ليست كيانا في الفضاء، وإنما هي جزء لا يتجزأ من بناء الدولة.
يُدرك الكلالدة أن عملية بناء الثقة أمر جوهري، وأساسي، وأن ترسيخها عملية شاقة، ولا تحدث بين ليلة وضحاها، وهو لا ينفي محاولات التدخل في عمل الهيئة، ويُجيب على ذلك بسؤال، هل استطاعوا ذلك؟
الأسئلة الشائكة ما زالت باعتقادي معلقة دون حسم، والأمر لا يتعلق برئيس للهيئة المستقلة قوي، وقادر على صد التدخلات، ووضع حد لها، وإنما – وهذا هو الأهم – ضرورة تجريم، ومساءلة كل مسؤول عمومي في موقع مدني، أو أمني، يُحاول أن يعبث بالانتخابات بأي شكل من الأشكال، والتأثير على سيرها، واستقلاليتها.
مشكلتنا الأساسية بقناعة اللاعبين الأساسيين في الدولة بضرورة وجود هيئة مستقلة للانتخاب فعليا، وليس نظريا وقانونيا، والتعامل معها على هذا الأساس، وليس توظيفها واستخدامها لتحسين الصورة، والاستمرار بمحاولات الهيمنة عليها.
رغم مرور 10 سنوات على تأسيس الهيئة، ففي كل انتخابات تجري نيابية، أم بلدية تنطلق اتهامات التزوير، والجديد في المشهد أن الحديث ينصب حديثا على أن الحكومة، وأجهزتها الأمنية باتت «تُهندس» الانتخابات قبل الذهاب لصناديق الاقتراع، فتشارك في تشكيل الكتل، والقوائم بما يضمن السيطرة عليها، وتضغط على مرشحين للانسحاب من قوائم، وبالتالي لا تحتاج إلى العبث مباشرة في صناديق الانتخاب كما كان سابقا.
اتفق مع الكلالدة على أن الخصوم السياسيين، كلٌ يحاول هندسة المشهد لمصلحته، ولن يترك الساحة للطرف الآخر، وهذا متوقع، ومفهوم، ولكن التدخل الحكومي «محرم»، وعليها أن تكون خارج التجاذبات، ولا يجوز أن تكون طرفا.
على المترشحين والمترشحات للانتخابات أن يتوقفوا عن خطاب المظلومية، وأن يرفضوا بشجاعة الضغوط، والتدخلات، ويفضحوها، وإن كانوا عاجزين عن فعل ذلك، فكيف نثق بهم ليكونوا ممثلين لنا في مجالس المحافظات، والبلديات، وطبعا البرلمان من قبل؟
أخيرا الهيئة المستقلة للانتخاب رسخت قواعد جديدة للعملية الانتخابية، وممارسات وآليات عمل شفافة لا يمكن إنكارها، وراكمت خبرات مؤسسية نفتخر بها، وكل ما يعوزها أن ترفع الحكومة، وأجهزتها الأمنية يدها عنها، وتُسلّم أنه دون انتخابات نزيهة يثق بها الشعب لن يكون هناك إصلاح سياسي في البلاد.
ونحن نودع الكلالدة نقول له شكرا، ونتمنى أن يكون لرئيس الهيئة المستقلة القادم أنياب حتى يصمد في معركة الدفاع عن استقلاليتها، وعن الديمقراطية من قبل، ومن بعد.
نضال منصور