الجزائر: أكبر صرح إسلامي عالمي بعد الحرمين يستعد لبدء الخدمة
الجزائر – «القدس العربي»: في منطقة المحمدية في الضاحية الشرقية للعاصمة، لا يتوقف ضجيج الآلات على مدار الأيام، لإتمام تهيئة محيط مسجد الجزائر الأعظم الذي يستعد لبدء خدمة المصلين في وقت يبدو قريباً جداً. وقد انتهت الأشغال الكبرى المتعلقة ببناء الصرح الضخم وتجهيزه من الداخل قبل نحو سنتين ونصف، ولم يتبق سوى تهيئة الطرقات المحيطة به وإتمام إنجاز الحديقة المحاذية له وربط المسجد بجسر يقطع الطريق السريع ويوصل إلى منتزه بحري ذي إطلالة أخاذة على خليج الجزائر.
انتقاد تعيين صوفي لعمادة «المسجد الأعظم» كان متوقعا في ظل الخصومة الشديدة مع التيار السلفي
وما يشير إلى اقتراب فتح المسجد للمصلين، تحسن الوضعية الوبائية في البلاد، إذ لم تعد تعلن وزارة الصحة سوى عن حالات إصابة قليلة مع اختفاء الوفيات من الحصيلة المعروضة يومياً، مع العلم أن المساجد في عموم الجمهورية كانت تسير ببروتوكول صحي خاص لتفادي الاكتظاظ ونقل العدوى.
ولعل أهم ما أوحى باستعداد مسجد الجزائر لبدء الخدمة، تعيين الرئيس عبد المجيد تبون للعميد الذي يشرف عليه ورفعه لرتبة وزير، وهو منصب يراد من خلاله استحداث مرجعية جزائرية دينية، على غرار شيخ الأزهر في مصر، في ظل الحديث المتكرر عن ضرورة الحفاظ على المذهب المعتمد في الجزائر من التيارات الدينية الدخيلة.
وقد وقع الاختيار على الشيخ محمد مأمون القاسمي الحسيني لتولي هذه المهمة، وهو عالم متصوف نشأ وتربى في الزوايا الدينية التي لديها حضور قوي في الجزائر العميقة، وهي من أكبر المتشبثين بالمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية وإحدى أهم مراكز تحفيظ القرآن الكريم في البلاد وتعليم الفقه وأصوله والشريعة بمختلف علومها على المذهب المالكي.
والشيخ محمد مأمون القاسمي هو من مواليد سنة 1944 في أسرة محافظة، ويعد من أبرز شيوخ الطريقة الرحمانية واسعة الانتشار في الجزائر، وشغل خلال مساره عدة وظائف سامية في وزارة الشؤون الدينية كمدير مساعد للبرامج والامتحانات مديراً للتوجيه الديني ومستشاراً قائماً بتنظيم الحج ومنسقاً للجنة الوطنية للحج ومدير الحج والشعائر الدينية في وزارة الشؤون الدينية، فضلاً عن توليه مناصب على مستوى هيئات في المغرب واشتغاله بالاستشارة في مواضيع البنوك الإسلامية.
ورغم هذا المسار، لم يسلم اختيار الشيخ القاسمي من الهجوم خاصة من قبل التيارات السلفية في البلاد، حيث أعابت بعض الصفحات المحسوبة على هذا التيار اختيار رجل من التيار الصوفي لتولي عمادة المسجد الأعظم، وهو انتقاد كان منتظراً في ظل الخصومة الشديدة التي تجمع بين التيارين الصوفي والسلفي. ولم تظهر عدا ذلك، اعتراضات على الشيخ القاسمي، بل كانت ردود الأفعال في مجملها مثنية على الرجل الذي لم يعرف عليه خلال مساره دخوله في معارك فكرية أو خصومات.
وفي حديثه مع «القدس العربي»، قلل جلول حجيمي، الأمين العام للتنسيقية الوطنية للأئمة وموظفي الشؤون الدينية، من تأثير الانتقادات التي طالت تعيين الشيخ القاسمي، مشيراً إلى أن الرجل من الشخصيات الإسلامية المعروفة في الجزائر وهو أهل لتولي المنصب.
ويعتقد حجيمي أن أسباب اختيار الشيخ القاسمي لعمادة المسجد تعود لكونه يمثل بحق المرجعية الدينية الجزائرية التي تريد السلطات في البلاد الحفاظ عليها، بما يمثله الشيخ من امتداد وحضور في الحقل الدعوي في الجزائر، وهو ما لا يتوفر في شخصية أكاديمية مثلاً، وفق المتحدث.
وأوضح حجيمي أن التيارات التي هاجمت تعيين القاسمي تتبع مراجع علمية في الخارج، لكنها تقع في تناقض حسبه فهي من جهة ترفض الخروج عن الحاكم أو انتقاده لكنها في المقابل ترفض تعيين الحاكم لمن يراه الشخصية الأهل لتولي المنصب. وأضاف أنه من غير المعقول مهاجمة التيار الصوفي في الجزائر، لأنه تاريخياً حافظ على الدين الإسلامي في الجزائر في وجه الاستعمار وكان الأمير عبد القادر، ذو المرجعية الصوفية، مؤسساً للدولة الجزائرية ومقاوماً للاستعمار تماماً مثلما فعلت زوايا أخرى قادت المقاومات الشعبية في القرن التاسع عشر.
وبعيداً عن هذا السجال، يتوقع أن يكون المسجد جاهزاً قبل انطلاق القمة العربية في الجزائر في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، حيث دأبت السلطات في البلاد على جعل المسجد محطة للشخصيات الرفيعة التي تزور البلاد من العالم العربي والإسلامي، وكان أمين عام الجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، أحد الذين زاروه قبل أشهر.
ويعد جامع الجزائر الأعظم ثالث أكبر مسجد في العالم بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، ويتميز بمنارته الأطول في العالم بعلو يبلغ 267 متراً، فيما يتربع الجامع على مساحة إجمالية تقدر بأكثر من 27 هكتاراً.
ويتوفر المسجد المشيّد على أرض كانت كنيسة لأحد عتاة المنصرين زمن الاستعمار الفرنسي، على قاعة للصلاة تتسع لـ 120 ألف مصل، ودار للقرآن بقدرة استيعاب تقدربـ300 مقعد، كما يضم مكتبة فيها مليون كتاب وقاعة محاضرات ومتحفا للفن والتاريخ الإسلامي ومركزاً للبحث في تاريخ الجزائر، كما تدعم المسجد أيضاً بمركز ثقافي يستوعب 3 آلاف شخص.