السنيد يكتب: الاردن وفرة في الازمات وغياب للحلول

كتب النائب السابق علي السنيد: 

تنتاب المراقب للساحة المحلية المخاوف ، ويتملكه القلق العميق على مستقبل الاردن، وذلك ازاء حالة التجاهل الرسمي لعملية توالد الازمات وتراكمها في الحياة السياسية الاردنية، واحتمالية ان ينوء بها جسم الوطن، وتنهكه الازمات التي لا تجد من الحكومات الاهتمام الكافي، وكأنها امر اعتيادي رغم خطورة احداث الاقليم العربي المفزعة، والتي ظلت تطل برأسها طوال السنوات الماضية، وتنذر بالأسوأ في واقع عربي تفتقر فيه عملية الحكم الى العقلانية، وهي التي تحكمها من شدة العند السياسي قاعدة "اما كل شيء او لا شيء" ، 

وقد شهدنا كيف ادى تجاهل مطالب الشعوب المحقة ، وعدم الوصول معها الى تسوية حيال الملفات العالقة الى ضياع كل شيء للاسف، وسيادة احوال الفوضى والاضطرابات في الواقع العربي الذي لم تنظر فيه الانظمة السياسية الى اهمية بناء المؤسسية، وضرورة ايصال الشعوب الى تحقيق مواطنتها الحقيقية، وبناء عملية سياسية تعود بشرعيتها الى الشعوب مصدر السلطة ومستودع الشرعية، ولتغادر محطة اللايقين، وفقدان الثقة بالسياسيين والسياسات المتبعة . 

ويتم في الاردن اليوم غض النظر عن تقصير الحكومات الواضح في اثناء ممارستها لعملية الحكم بطريقة اعتباطية، وعدم تحقيقها للاهداف الوطنية المرجوة رغم كثرة تبدل الحكومات، واضاعتها لوقت الوطن، ولا يتم اعادة مراجعة للالية التي تأتي بهذه الحكومات التي تفتقر في معظمها الى توفر برنامج في الحكم، ومراجعة لنوعية الوزراء الذين لا يمكن ان يفهم في الاردن المعادلات التي تأتي بهم الى دفة القيادة في الوقت الذي تراجع فيه منسوب الاداء العام للدولة، وضعف مستوى اداء القطاع العام وتراجعت الخدمات العامة ، واصبحت الدولة تدار بطريقة مقلقلة، وتبعث على اثارة المشاعر السلبية لدى المواطنين ، وهو ما افضى الى انهيار المعنويات العامة لدى العامة، واصبح الاردنيون في حالة عدم يقين ازاء مستقبلهم. 

واليوم تكثر الازمات في الواقع الاردني ، وتغيب الحلول ، فمن ازمة فقدان الاردن لكافة حلفائه بسبب اتخاذه لانصاف المواقف في سياسته الخارجية مما افقده كل الاطراف، وبالتالي فقد الدعم في محيطه العربي، وخسر اسواقا عربية مهمة في محيطه، وتحول حلفائه التقليديون الى متآمرين على المملكة التي فقدت ثقلها في الاقليم العربي الى الدرجة التي اصبح يقرر فيها مصير فلسطين والاردن دون اخذ رأي الاردنيين والفلسطينيين. 

ومن ذلك ازمة فادحة تعصف بالاقتصاد الوطني الذي غدا هشاً مع اعتماد سياسة الجباية والتي ادت الى اضعاف مستوى معيشة الاردنيين، وتقليل القوة الشرائية لديهم مما استجلب سخطهم، وضعف السوق، وخسر التجار والصناعيون، وغادر المستثمرون، وسادت اجواء الشك في المستقبل، وفي المقابل افضت سياسة الجباية ورفع الضرائب والرسوم والاسعار التي طالت كل شيء في الاردن الى التناقص في الايراد الضريبي للدولة، وحيث ان احداث التنمية هي المدعاة الى زيادة الوعاء الضريبي للدول، وليست الجباية. 
 
ومن مظاهر خطورة الوضع الاقتصادي تزايد العجز في الموازنة العامة، وعدم توفر سوى الرواتب، وزيادة المديونية الخارجية والداخلية، وسداد الدين بدين وبفوائد جديدة، وتوسع رقعة الفقر والبطالة مع وجود نحو ثلاثين جامعة تضخ في كل عام ما ينوف عن الستين الف خريج الى السوق، وحيث ان القطاع الخاص فقد قدرته من شدة الضرائب والرسوم على التوسع وتوليد فرص عمل جديدة، والادهى من ذلك لجوء العديد من الشركات والمصانع التي تعاني الى تخيير العاملين ما بين القبول بتقليل الرواتب بنسب معينه او الاستغناء عن نسبة مماثلة من العاملين لغاية البقاء في السوق، ويناظر ذلك عجز الدولة عن تعيين اكثر من نحو عشرة الاف موظف سنويا واغلبها في وزارتي الصحة والتربية، هذا ناهيك عن وجود مئات الاف من القابعين على قوائم الانتظار من ابنائنا وبناتنا في ديوان الخدمة المدنية ، واصبحوا يعانون من عدم طلب مؤهلاتهم العلمية، وبعضهم ينتظر منذ عشر سنين وما عاد مطلوبا في السوق، والجامعات ما زالت تخرج بتخصصات لا وظائف لها، والمحيط العربي بات يفقد الثقة في جامعاتنا وخريجينا، ومن هم اقل من التوجيهي في تحصيلهم العلمي من ابنائنا اصبحوا حائرين في طريق الحياة وذلك في رحلة البحث عن اي عمل يقيهم حد الجوع. 
 
ويعاني الاردنيون من ازمة التناقص الحاد في الخدمات العامة المقدمة في غالبية المؤسسات الرسمية التي اصبحت تدار بواسطة الواسطة، وتراجع الاداء العام للمؤسسات، وفقدت الرغبة في العطاء لغياب عامل التحفيز والعدالة وتكافؤ الفرص، وحيث دفة القيادة لا يصلها غالبا من يملكون الكفاءة، والاقتدار وانما توزع بموجب الواسطة. 

وتعاني الدولة من ازمة حراك شبابي مطلبي مردها الى تغيب الحياة الدستورية في المملكة والمتمثلة باعطاء الاحزاب والعمل النقابي الدور في تنظيم المطالب الشعبية وعكسها في برامجها، وحيث الفراغ افضى الى وصول الحراك الى حد تمثيل الاردنيين، والمستقبل سيكون قلقا على هذا الصعيد . 

وهنالك ازمة عميقة في غياب الحوار الرسمي في زمن الشعوب، وقد تبدت في اضراب المعلمين الاخير، وفي الكيفية التي اديرت بها الازمة مع شريحة غالية على قلوب الاردنيين والتي تعد الاكثر حرصا على الوطن، والتي يأتمنها الاردنيون على ابنائهم واظهرت الدولة روحا ثأرية في ادارة الازمة من منظور امني، والتي اوصدت الابواب، وادت الى طريق مسدود، واظهرت فشل الحكومة في ادارة ازمتها ، وهو ما ادى الى شلل تام يصيب التعليم الرسمي الاردني منذ عدة اسابيع والى اليوم.
والازمة تتبدى وتشتد ايضا في ضعف صورة الدولة لعدم وجود اعلام وطني حقيقي مقنع وقادر على عكس واقع الحال للمواطن كي يقف على حال دولته وظروفها وامكانياتها الحقيقية. 

انعدام الثقة في نزاهة المسؤول، وعدم الجدية في محاسبة الفساد ، وصيانة المال العام، وتراجع صورة البرلمان في الحياة السياسية، واحتراق الحكومات على التوالي، وانهيار في المعنويات العامة لدى الشعب، ويقابل كل ذلك تجاهل رسمي مريب.