حضور عربي مقدر
حمادة فراعنة
مهما كان دور فريق الوساطة الوزاري العربي، متواضعاً في الأزمة الأوكرانية، فهو يعني الكثير، معنوياً وسياسياً، فهو يؤكد أن للعرب تفاعلا مع الأحداث العالمية، وأنهم يتجاوبون معها ويتحركون وفق وقائعها، ويتعاملون معها في مدى تأثيرها على مصالحهم، ويقدمون رسالة معلنة أنهم يقفون في الصراع الروسي الأوكراني، على الحياد، رغم أن أغلبهم يرتبط بعلاقات سياسية وعسكرية وأمنية قوية على قاعدة اتفاقات مع الولايات المتحدة، ولكنهم يتوسلون الخروج عن التبعية وسلوك طريق الاستقلال عن السياسات الأميركية المتنفذة، ويجدون في واشنطن أنها حليف غير موثوق عند الحاجة، وانحيازها المتواصل للمستعمرة الإسرائيلية تحرجهم أمام أنفسهم وأمام شعوبهم، طالما تحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية، وتتطاول على أقدس مقدساتهم الإسلامية والمسيحية في القدس وسائر فلسطين، ولا وسيلة للركون لها سوى الاحتجاج اللفظي، أو الصمت المعيب، والدعاء في السر لكسر أميركا وتسلطها، وتحريرها من نفوذ الصهيونية العنصرية وأدواتها، التي تدفع باتجاه الإخلال بالموقف الأميركي نحو خدمة المستعمرة وسياساتها التوسعية.
مبادرة الجامعة العربية، يوم 9 آذار 2022 بتشكيل وفد عربي، وتسميتها مجموعة الاتصال من وزراء خارجية البلدان الخمسة: الأردن، مصر، العراق، الجزائر والسودان، مع أمين عام الجامعة العربية، وزيارتهم لكل من موسكو 4/4/2022 ووارسو 5/4/2022 على التوالي، للقاء الوزيرين سيرجي لافروف الروسي، ودميترو كوليبا الأوكراني، كل منهما على انفراد، لها اعتبار وقيمة معنوية وسياسية يُسجل لصالح العرب وحضورهم على المشهد السياسي الدولي.
الربيع العربي، وفقدان الشرعية للعديد من الأنظمة، والحروب البينية التي دمرت العراق وسوريا وليبيا واليمن، أخلت بمكانة النظام العربي، وأفقدته مكانته وتماسكه، مما يتطلب حقاً العمل داخلياً ووطنياً، وقومياً، ودولياً، حتى يستعيد ما يستحق، وما نسعى له ونتطلع إليه: وحدة، تعددية، ديمقراطية، عدالة، استقلال سياسي واقتصادي، وأنظمة ملكية وجمهورية تعتمد إدارتها على نتائج صناديق الاقتراع، حكومات برلمانية لدى النظام الملكي كما هو في المغرب، وما سوف يكون في الأردن بعد التعديلات الدستورية وقانوني الأحزاب والانتخابات، ورؤساء منتخبون من شعوبهم لدى الأنظمة الجمهورية كما هو الحال في تونس والجزائر وغيرهما.
ولذلك يحتاج النظام العربي لمبادرات مماثلة لفرض حضوره الدولي، واستعادة مكانته بشكل تدريجي، لأن ذلك سينعكس على احترام المجتمع الدولي لمصالح العرب، وما قاله الوزير الروسي أن المناقشات مع الوفد الوزاري العربي، تناولت إضافة إلى الأزمة الأوكرانية «الوضع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (أي العالم العربي) وتطابقت آراؤنا تماماً في ملف فلسطين»، فهذا دلالة مهمة وتأكيد مطلوب أن تعلن موسكو أن موقفها يتطابق مع الموقف العربي نحو فلسطين.
هذا هو المطلوب، هذه هي النتيجة الإيجابية التي يمكن استخلاصها من هذا اللقاء العربي الروسي، ومن المبادرة العربية نحو هذا التوجه والنشاط الدولي.