«ما يفعله حمزة خطير»… الأردن و«حائط ميركل»: «أزمة في كل المستويات»… لماذا قالها «رئيس الأعيان» ..؟؟

ما الذي يتطلبه بصورة محددة تجاوز المأزق الذي أعلن عنه بشفافية وجرأة تشخيصية مؤخراً رئيس مجلس أعيان الأردن؟
لم يسجل رئيس الأعيان فيصل الفايز اسمه فقط كأول مسؤول وسياسي ينتقد ولي العهد الأسبق الأمير حمزة بن الحسين بعد التوتير الشهير الأخير، واصفاً ما يفعله الثاني بأنه «عمل خطير وفتنة حقيقية» بل تجاوز في اتجاه عبارة ينبغي أن توضع عشرات الخطوط تحتها بعنوان الإقرار بـ»أزمة في عدة المستويات»، مع أن مسؤولين آخرين يتحدثون عن «أزمة في كل المستويات».

«لافت جداً»

لم يكن يلاحظ المراقبون عموماً في الأردن بأن مسؤولاً يعلنها بكل هذه الصراحة عند الحديث عن أزمة في كل المستويات كما فعل الفايز بجرأته المعهودة، فالغالبية الساحقة من كبار المسؤولين تميل عادة إلى التحدث عن حالات أزمة وتأزيم لكن خلف الميكروفون والكاميرا وليس أمامهما. وفي كل حال، أزمة في كل المستويات تعني ضمنياً أن الرئيس الفايز، وهو لاعب أساسي طوال العقدين الماضيين، يؤشر ضمناً على أزمة اقتصادية وأخرى سياسية وثالثة إدارية مع ما يستنسخ من ثلاثي الأزمات هذا من سلسلة تداعيات أصغر على كل المستويات.
لافت جداً للنظر أن مثل هذا الخطاب يطرحه رئيس مجلس الملك دستورياً فيما تغادر الدولة مئويتها الأولى، وتتطلع نحو المئوية الثانية بعنوان تحديث المنظومة السياسية والاقتصادية، وهو عنوان ينبغي أن يختلف عن وقائع الكيانات المتوازنة التي تتوسع هنا وهناك في السياق النخبوي المحلي بعيداً عن ما كان يقترحه السياسي المخضرم الدكتور ممدوح العبادي دوماً أمام «القدس العربي» وفي الإعلام عن حبل نجاة ومصد لكل الأزمات بسيط وواضح، وهو العودة إلى الاحتكام للدستور.
في مناطق أقرب لمستها «القدس العربي» من مقربين لرئيسي الوزراء السابق والحالي، سمير الرفاعي وبشر الخصاونة، تلامسات قريبة من الإقرار بأزمة متعددة لا بل بعوائق أمام التحديث والملاذ والخلاص من النوع الثقيل أحياناً مع التوافق على أن الرؤية المرجعية الملكية تضع النقاط على الحروف، وتتكفل بمغادرة حالة الاصطدام بالحائط ولو في اتجاه تطبيق قواعد الاشتباك في المقولة الشهيرة لأنجيلا ميركل، التي تحدثت عن مغادرة الحائط من الطرف الثاني المقابل بالحد الأدنى من الخدوش والجروح والدماء.
ليس سراً أن الاستعصاء يتحول إلى مركز قوة في الحالة الأردنية في قياسات ومقاربات الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الشيخ مراد العضايلة. وليس سراً أيضاً أن استمرار منهجية الإقصاء هي التي تدفع -برأي المحلل الاستراتيجي عامر السبايلة- في اتجاه ليس بقاء الأزمات والتأزيمات فقط، لكن استعصاء المعالجات والحلول مع الإشارة إلى أن ميكانيزم الإدارة هنا تحديداً فيه خلل وقصوران كبيران، بدلالة أن الأزمة تولد بالوعي الإداري والتنفيذي وتبقى وتعمر طويلاً، وتسبب إنتاج سلسلة أزمات أصغر دون حلول ومعالجات، كما حصل تماماً مع أزمة نقابة المعلمين التي كان يمكن الاستغناء عنها، لكنها مع المحاكاة والتماهي تكرست وتفرخ عنها سلسلة أزمات أخرى، من بينها ليس فقط الخلاف مع مجلس النقابة الأعرض في البلاد، لكن الغرق في وحل التأزيم بعناوين مثل شرعية وقانونية النقابة، ثم جدل الاعتقالات بكل أصنافها الخشنة والناعمة. إقرار فيصل الفايز بأزمة في كل المستويات خطوة جريئة وقد لا تكون مسبوقة علناً، فالتخبط والعشوائية متاحان بكثافة في مربع التخطيط الاقتصادي أيضاً، والفايز نفسه قال بأن الترهل البيروقراطي والإداري في الدولة وصل إلى مستويات غير مسبوقة.

ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة؟

الجواب على هذا السؤال جارح وخادش ويحتاج إلى جرأة في الإجراء بعد جرأة التشخيص؛ لأن المسألة هنا تخص خيارات الدولة وليس الحكومة أو البرلمان، والانطباع الذي تثيره تعليقات الرئيس الفايز هو ذلك الذي يؤشر على أن الدولة الأردنية لا تنتقل من مئوية أولى في اتجاه الثانية بسلاسة، لا بل بمفاهيم اختلطت وتشخيصات تعاكست وبتساؤلات كبيرة الحجم لها علاقة بهوية أو بناء الدولة نفسها.
وليس سراً هنا تحديداً أن العنصر الأكثر إثارة والمسكوت عنه في الانتقال بين المئويتين هو ذلك المتعلق بما اقترحه قبل سنوات طويلة وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر، تحت عنوان تدشين اضطراري لمرحلة بناء دولة حديثة مختلفة عن تلك الرعوية.
هنا حصرياً يكمن الإشكال الأكبر، فرئيس الوزراء الأسبق عمر الرزاز طرح علناً شعار «الفطام عن المساعدات» بخطة وطنية ذاتية، وخليفته الدكتور بشر الخصاونة يعلم أكثر من غيره مصاعب وتعقيدات الفطام الاجتماعي.
وإمكانات الدولة الاقتصادية والمالية تحديداً في التشغيل والتوظيف، وأنظمة الرعاية تقلصت إلى حد كبير إما بفعل الفساد ومشتقاته أو بحكم مستجدات العالم والإقليم وتراجع الدور الإقليمي للبلاد، الأمر الذي يعني تلقائياً أن الدولة في مئويتها الثانية ابتكرت مفهوم التحديث أصلاً لأنها لا تملك ترف البقاء في سياق الدولة الرعوية التي كانت هي الأساس في المئوية الأولى، وفي عملية الانتقال هذه خلط لكل الأوراق ومقاومة سلبية من المجتمع الرعوي.
إضافة إلى مقاومة سلبية من البيروقراط الذي يجد صعوبة في مغادرة منطق الدولة الرعوية أو يخشى مخاطر ذلك.
في كل حال، ينكش تصريح الفايز عش دبابير، وما لا يقوله الرجل نسبياً عندما يتحدث عن أزمة في كل المستويات هو أن الحاجة ملحة لبناء جذري أكثر وأكبر تحت عنوان الدولة الحديثة قبل الحديث عن هويتها، وعلى أساس أن الدولة تعبر عن الشعب دوماً والعكس صحيح.
بسام البدارين
القدس العربي