هل سيُستبدل الدور الأردني في رعاية المقدسات في القدس .. أم ستدخل جهات أخرى على خط الوصاية ..؟؟
تُعتبر الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس واحدة من أهم أوراق القوة التي تتمتع بها الأردن ، وأمراً بالغ الأهمية للملك عبدالله الثاني ، حيث تُعطي هذه الوصاية شرعية للأردن ودوراً دينياً في مدينة القدس ، وهي أولاً وأخيراً تُمثل رمزية معنوية تاريخية مرتبطة بشكل مباشر بالأسرة الهاشمية.
فوصاية الأردن على المقدسات الإسلامية ومنها المسجد الأقصى تحديداً بدأت عام ١٩٢٤ ، وتجسدت فعلياً من خلال اتفاقية وادي عربة عام ١٩٩٤ وإعلان واشنطن عام ٢٠١٥ الذي جاء بضغط إسرائيلي لصياغة إتفاقية فرعية جديدة حول المسجد الأقصى بين الأردن وإسرائيل والتي تضمنت خمسة بنود ، وكان البند رقم (٢) الأكثر جدلاً وغموضاً فيها والذي نص حرفياً ( أن إسرائيل ستستمر في تطبيق سياساتها الثابتة في ما يخص العبادة الدينية في المسجد الأقصى ! أي أن المسلمين هم من يصلون وغير المسلمين هم من يزورون !! وتم التأكيد على حق غير المسلمين بزيارة الأقصى.
إن إدارة الصراع حول المسجد الأقصى ليست جديدة ، فقد تزايدت خلال السنوات العشر الماضية الأحاديث عن مساع من عدة جهات لسحب الوصاية الأردنية عن المقدسات من الأردن.
فاليوم وبعد مرور ٢٨ عاماً من توقيع إتفاقية وادي عربة تبدو الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس المحتلّة في قلب الإستهداف الصهيوني وأطماع الكثير من دول الإقليم بمباركة من دول عظمى.
ففي عام ٢٠١٩ أبدى الملك عبدالله الثاني خلال زيارة له للقاهرة غضبه من وجود مساعٍ تركية للإشراف على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس المحتلة .. وفي نفس العام نشرت صحيفة Haaretz الإسرائيلية تقريراً لها قالت فيه أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وصهره كوشنير يسعيان بقوة لمنح الوصاية على المقدسات الإسلامية في القدس للسعودية ، فعلى ذمة الصحيفة أن الأمير سلمان ولي العهد السعودي التقى قبل ثلاث سنوات وتواصل مع شخصيات دينية إسلامية ومسيحية ، وشخصيات قيادية من حركة فتح والتقى بهم في الرياض ، وكان الغرض البحث في وصاية السعودية على المقدسات.
لا أعتقد أننا أفشينا سرًا من غيض الفيض ، فهنالك عدة شواهد متراكمة تؤكد أن السعودية تبحث عن موطىء قدم لها في المسجد الأقصى مستندة إلى كونها قوة إسلامية تقع مكة والمدينة في أرضها ، فأثناء مشاركة الأردن في أعمال الدورة ٢٤ للإتحاد البرلماني العربي بالمغرب عام ٢٠١٧ نشب خلاف قوي بين وفدي الأردن والسعودية حيث رفض الوفد السعودي تأكيد حق الأردن بوصايته على المقدسات الإسلامية في القدس المحتلة .. وزعيم المعارضة الإسرائيلية ( إسحاق هيرتسوغ ) صرح قبل سنتين لصحيفة إيلاف السعودية أنه يجب أن يكون هناك دور ومسؤولية للسعودية على الأماكن المقدسة في القدس بحكم كونها الدولة التي تضم أقدس أماكن الإسلام ولها تجربة في إدارة الاماكن المقدسة في مكة والمدينة.
وكشفت أيضًا صحيفة Israel Hayom قبل شهر أن هناك قنوات سرية تتفاوض مع السعودية في موضوعات بالغة السرية بهدف تقاسم إدارة الأوقاف الأسلامية في القدس مع الأردن.
ولا ننسى ما حدث خلال القمة الإسلامية التي عقدت عام ٢٠١٧ في أسطنبول ( تركيا ) من محاولات بعض الدول لسحب الوصاية الأردنية ! إلا أن نجاح الدبلوماسية الأردنية أحبط كل ذلك عندما نص البيان الختامي للقمة على استمرار الرعاية والوصاية الأردنية على المقدسات في القدس المحتلة.
فعند بداية اقتحامات المتطرّفين الإسرائيلين لباحات المسجد الأقصى قبل شهر رمضان شاهدت وبالصدفة حواراً في أحدى المحطات التلفزيونية الأمريكية الإخبارية من خلال جهاز ريسيفر ( سبايدر ) بين مذيعة البرنامج وشخص آخر وعلى ما يبدو أنه كاتب أو صحفي إسرائيلي كان يعمل في صحيفة هآرتس الذي قال وبالحرف الواحد أن القدس الموحّدة هي عاصمة إسرائيل الأبدية ، وأن المادة التاسعة من معاهدة السلام الاسرائيلية الأردنية وبنودها الثلاث تُشير إلى الكثير من التساؤلات حول طبيعة الدور الأردني ، فهي لم تتضمن تفاصيل واضحة حول الصلاحيات التي يمتلكها الأردن بهذا الخصوص ، وأن العبارات والألفاظ التي تضمنها الإتفاق بخصوص الوصاية على المقدسات الإسلامية في مدينة القدس أخذت صيغة المجاملة المعنوية للأردن أكثر مما تحمله من مبادىء قانونية ملموسة توضح صلاحية الدور الأردني في تلك المقدسات ، وبرأيه أن موضوع الوصاية شكلي أكثر ما هو قانوني .. وأن المادة التاسعة من معاهدة السلام تحدثت عن سماح كل طرف للطرف الآخر بحرّية دخول الأماكن المقدسة ذات الأهمية الدينية والتاريخية ، أي بمعنى أن الطرف الأردني يتمتع هو ومواطنوه بحرية الدخول للأماكن الدينية ، وفي المقابل فإن الطرف الاسرائيلي هو نفسه يتمتع بحرية الدخول للأماكن ذاتها التي تخص الطرف الأردني.
وأشار إلى أن البند رقم ٢ من المادة التاسعة من اتفاقية السلام الأردنية – الإسرائيلية لم يعطي الأردن الحق في التحكم في أبواب المسجد الأقصى بتاتاً.
وتحدّث بكل أريحية أن إسرائيل أصلاً قلّصت دور الأردن فعلياً من تقييد صلاحيات مديرية الأوقاف الإسلامية في القدس بحيث تم اقتصارها على أمور النظافة فقط وبعضاً من الأمور الإدارية ، وربط مرجعيتهم بقائد شرطة القدس بكل ما يتعلق بالمسجد الأقصى والمقدسات الأخرى.
كما تناول الصحفي الإسرائيلي أيضًا ملحق إتفاقية واشنطن في تشرين الأول ٢٠١٥ وفصل وفسر البند الأول منها على أساس أن اليهود لهم حق مكتسب في زيارة المسجد الأقصى ، وبرأيه أن اتفاق واشنطن أزال الغموض في البند التاسع المُثير للجدل بعد أن كان غير واضح في إتفاقية وادي عربة.
وعند سؤاله من قبل المذيعة : ألا تخشى إسرائيل أن تقوم الأردن بإلغاء الإتفاقية الموقّعة معكم ؟ قال وبكل ثقة أن الأردن لا تستطيع أن تتخلى أو تقوم بأي عمل ضد إسرائيل ، وهي على مستوى الفعل ماضية وبشكل مستمر لربط معظم حلول قضاياها المحلية بالبوابة الاسرائيلية من المياه إلى الطاقة والبطالة والإستيراد والتصدير والتنسيق الأمني والعمل الإستخباري …. الخ.
وما أزعجني في نهاية اللّقاء هو تشبيه دور الأردن في المسجد الأقصى بالرجل المريض.
على أية حال المُتأمل في البند الأول من المادة التاسعة من اتفاقية وادي عربة والبنود الخمسة في اتفاقية واشنطن عام ٢٠١٥ يرى أنها لم تستثني الإسرائيلين من حرية الدخول للأماكن الدينية والتاريخية ، وهي برأيي ضبابية قانونية ألقت بظلالها على الوصاية الأردنية على المقدّسات زادت من الإرتباك والتداخل في التّفصيلات.
إنه تطوّر جديد وخطير من شأنه أن يقلب كل الموازين وأن يضع علامات استفهام كبرى ، فبعد مرور السنوات الطويلة على توقيع إتفاقية وادي عربة لابد لنا من مراجعة قانونية لكافة مواد اتفاقية السلام وخاصة المادة التاسعة منها المتعلقة بالوصاية للخروج بإستدلالات صحيحة تساعدنا في فهم الوصاية الأردنية وأبعادها القانونية ، وأن نحاول تفسير الغموض في البنود الخمسة من اتفاقية واشنطن عام ٢٠١٥.
فلا توجد رياح مساعدة لمن لا يعرف أين يسير ، وإن حالة الإنكار أو العجز عن قراءة حقائق الوضع الحالي في الإقصى ستقودنا إلى مربّع خطير خصوصاً أننا أمام متغيرات اقليمية ودولية متسارعة .
م. سليم البطاينه
نائب اردني سابق