أزمة القمح .. شرارة لحرب عالمية ثالثة

لاول وهلة يبدو ان العالم على هاوية حرب كونية وشرارتها سوف تندلع من اوكرانيا .
كانت الشرق الاوسط منطقة ساخنة للحروب والصراعات الدولية ، وكم اثارت ازماته فتيل حروب وصراعات كان وقودها
العرب : شعوبا وانظمة سياسية .
الحرب الجديدة ، وما يقع من صراع في اقصى خريطة الكرة الارضية يضع اوزاره في اوكرانيا بعد التدخل الروسي ، وتشغيل موسكو لماكينتها العسكرية الجبارة .
و ثمة حرب جديدة وليدة للصراع الروسي والاوكراني ، ولربما كانت مخفية تحت قشة كورونا التي فضحت العالم ، انها ازمة الغذاء وارتفاع كلف الانتاج والنقل ، ووقف سلاسل التوريد العالمية .
الهند قررت وقف تصدير القمح الى الاسواق العالمية ، وجاء قرار الحكومة الهندية لكبح جماح ارتفاع اسعار القمح في الاسواق المحلية .
و في ايران اندلعت مظاهرات واحتجاجات على خلفية قرار حكومي برفع الدعم عن القمح وتحرير اسعاره .
و في مصر اعلن على وجه السرعة ، وبعدما اعلنت الهند عن وقف تصدير القمح البحث عن بدائل لاستيراد القمح ، وقالت الحكومة المصرية انها ستتوجه الى المكسيك وباكستان .
و مصر تعتبر من اكبر الدول المستوردة للقمح ، وكانت قد ابرمت اتفاقا قبل اشهور لاستيراد القمح من الهند .
 هذه هي الحرب الحقيقة ، صراع على الغذاء وحروب باردة على المواد الغذائية . وكما يبدو فان العالم مقبل على مجاعات وفقر مدقع ، وحروب على الطعام .
الناس غارقون في وحل الحروب اليومية من اجل لقمة العيش ، ويقاتلون ويجاهدون من اجل تلبيتها وتوفيرها لاولادهم وعوائلهم .
و يدفعون الغالي والرخيص ، وكما لو ان حقيقة الناس الوجودية والقدرية من اجل لقمة العيش ، وخصوصا في عالمنا العربي الكبير .
نبوءات التاريخ صدقت ، ومن قالوا ان العالم سوف يدخل في عصر المجاعات وحروبها ، وان الانسانية عدمية الاخلاق والمسؤولية ، وثمة فراغ روحي واخلاقي ، والمنظومة التي تحكم العالم مستبدة وظالمة اقتصاديا وسياسيا ، وغذائيا .
التهديد الكوني الحقيقي ليس بالقوة النووية ومن يملكها .. وعلى العكس ، في الازمة الاوكرانية قامت الدنيا ولم تقعد ، والعالم ينشطر في حرب الاصطفافات ما بين موسكو وواشنطن والناتو .
الارقام المتطرفة المرعبة لما ينتج يوميا من موت عابث، وقتلى بسبب انهيار في منظومة الخدمات العامة الصحية والبنى التحتية وضحايا حوداث السير والانتحار والغرق والهجرة غير الشرعية وزوارق الموت الرخيص ، وضحايا لنزاعات محلية ، واغلبها لم يكن معروفا من قبل .
لربما ان القنبلة الذرية لو تم استعمالها من الدول الكبرى تبيد  البشرية في لحظة ولحظتين ، ولكن سلاح الصراعات اليومية اكثر فتكا وهلاكا للبشرية ، وهو مسكوت عنه في العقل الانساني .
وما كان لمنظمات حقوق الانسان ان تنشغل اليوم اكثر في قضايا الفقر التي بلغت ذروتها ، وان تفك اهتمامها عن قضايا الديمقراطية والحريات والحقوق المهدورة والضائعة والمعدومة ، والمنحورة .
و معقول ان انسان عاجز عن توفير رغيف الخبز وقوت عائلته ، ومعني للاهتمام والاستماع ومتابعة تقارير لهومن رايتش ووتش ومراسلين بلا حدود عن مؤشرات الحريات ، وغيرها ؟!
الخوف اليوم ليس من القنبلة النووية ، واجراس الخطر الكوني تقرعها بطون وامعاء فقراء العالم ، ومن يواجهون مصيرا ماسويا ، ولا يعرف الى اين سوف ينتهي ،وما هو المصير .
البشرية بلا اخلاق وضمير انساني ، والعالم يبدو انه تاقلم مع الموت العابث ، وما عاد ليقلق ويصاب بالدهشة من اي شيء حتى لو ان ثلثا الكرة الارضية ماتوا من الجوع والتشرد ، والتهجير القسري .
انتحار كوني ، وهناك قوى عالمية سدت ضمائرها ، ولا تسمع لاي صداء وانيين قادم من الجنوب المهمش والمنسي .
الدول المنتصرة اليوم من تملك الاكتفاء الذاتي ، والامن الغذائي ، ومن لا تموت شعوبها من الجوع ، ومن ينام مواطنوها امنين وغانمين من تناول وجبة العشاء .
الثرثرة الزائدة عن الديمقراطية وحقوق الانسان والسلم الدولي ، وغيرها لم تعد تجدي ولا تنفع ولا يطرب احد لسماعها ..
الحرب العالمية الاولى من اسباب اندلاعها اقدام شاب صربي محبط على قتل ملك النمسا 1914.
و الحرب العالمية الثانية اندلعت بسبب غزو المانيا النازية لبولندا 1939 ، واعلان بريطانيا وفرنسا الحرب على المانيا .
 وثمة حقيقة ثابتة ومطلقة في التاريخ ان السلام استثناء ، وان ايامه معدودات ، وفيما الاصل والجوهري في التاريخ هو الحرب وعدم الاستقرار .
فهل ستندلع الحرب الكونية الثالثة بسبب رغيف خبز والصراع على مزارع وموارد القمح وقرصنة باخرة قمح