المجدرة

امس اكلت مجدرة، والى جانبها صحن سلطة ولبن عيران، وراس بصل اخضر وفجل .
و لا اعرف، لماذا جاءت نفسي على المجدرة ؟
و من سنوات بعيدة لم اكل مجدرة .
و اذكر اخرة اكلت مجدرة في مطعم برج الحمام في فندق الانتركونتل بجبل عمان .
و كان صديقي قادما من السفر،و توفاه الله قبل اعوام، دعاني على الغداء .
و طلب هو مجدرة، ونصحني بان اجربها .
كنت احمل موقفا من ايام المدرسة والطفولة من المجدرة .
و كنت اعمل طوشة في الدار واحرد غاضبا، واذا ما كانت امي طابخة مجدرة .
كنت افضل الزفر، ولا اكل الا اللحم الاحمر، ومنسف ولحم خروف تحديدا .
خجلت وقبلت بنصح المعزب، والعرب قالوا : الضيف اسير المعزب .
و طلبت صحن مجدرة .
صراحة، اكلت اول صحن وثاني صحن، لولا الخجل لطلبت الصحن الثالث .
و في الاثناء، ومدحت وشكرت في الطعام، وسمعني مدير الصالة .
و ذهب الى ابلاغ مدير الطعام والشراب في الفندق . وبعد دقائق، حضر مع شيف لبناني مختص في طبخ المجدرة .
و لم اكن اتوقع ان المجدرة مهمة لهذه الدرجة، وانها تحتاج الى شيف مختص، ومن جنسية عربية ايضا .
و حكى الشيف عن المجدرة، وطرق وفنون في طهيها، وكيف تقدم، وايهما افضل تقديمها مع بصل مقلي « مطرطش « على وجهها ام لا .
سجايا المجدرة اثرت في نفسي ومعدتي الى اليوم .
المجدرة كنا نحاربها ونعترض عليها، لاعتبارات اجتماعية ووراثية مرتبطة في الولع بالزفر والاكل الدسم .
و اليوم، تقدم على مينو افخر المطاعم العربية والشرقية .
تخيلوا ان التنصفيات الطبقية للطعام خادعة، وقابلة للتغير والتحول، وان الثابت والمطلق هو كذبة خدعة تاريخية .
و صدقوا اليوم في غمرة حملة مقاطعة الدجاج، وفما احوجنا الى احياء تقاليد المجدرة، واعادتها الى صدارة موائد الطعام .
السؤال عن المجدرة يتعدى مسالة الشوق لاكلة تراثية، وانها عنوان رديف ومساند لممانعة شعبية وسياسية ضد الدجاج و اقتصاد الاحتكاريات .
و كم اتمنى بعد نشر هذا السطور المتواضعة ان اتلقى دعوات من اصدقاء على المجدرة، ولنبدا من هنا بالثبات على احياء المجدرة .