الجوائز الأدبية العربية في الميزان
موفق ملكاوي
قبل عقدين، أو أكثر قليلاً، كانت الجوائز الأدبية العربية محدودة العدد، ونادرة جداً، وكان يتنافس عليها عشرات الكتاب من جميع الأقطار العربية. في تلك الفترة، كانت تلك الجوائز تشتمل على لجان أسست لمصداقية ما، خصوصا أنها لم تكن تدخل من باب القوة الناعمة لمؤسسيها، بل كان الهدف الأساس أن يكون هناك تقدير للإبداع والمبدعين، وأن تؤسس لحالة ثقافية تخدم المنتج الإبداعي النهائي.
لكن الأمر لم يبق على هذا النحو، فقد تنبهت الأنظمة العربية إلى الأهمية الخاصة التي تنطوي عليها مثل هذه الجوائز، في كونها قوة حقيقية في يد المؤسسين، وما يمكن أن تفعله في "معركة الاستقطاب” تجاه أي قضية، مهما يكن وزنها أو أهميتها.
من هذا الباب، سارع العديد من الدول إلى إطلاق جوائز أدبية عديدة، بعضها اشتمل على مقابل مالي كبير جداً، ما لفت أنظار المبدعين إليها، وخلق حالة تنافسية عالية بينهم للفوز بها.
هذا الأمر لم يكن سيئاً، حتى لو كانت هناك مسايرة وممازجة بين الإبداعي والسياسي، وحتى لو كانت بعض الموضوعات ممنوع الخوض فيها لدى جوائز ودول بعينها، فبالتالي، إن كان هناك احتكام إلى الموضوعية في الإبداعات المقدمة، فلا ضير في أن يطرح الكاتب وجهة نظره في ما هو "مسموح” بالكتابة فيه. لكن الأمر لم يكن كذلك، ففي كثير من الجوائز، كانت هناك أحيانا "تجاوزات” على الإبداعي لمصلحة السياسي، تابعنا الضجة التي أعقبت منحها، والاتهامات التي أثيرت حينها في أن السياسة تطغى على كل شيء، وتحاول توجيه الإبداع لخدمتها.
فهل تمتلك مثل هذه الاتهامات شيئا من المصداقية؟!
قد يكون كذلك، وهو أمر درجت عليه جوائز عالمية كبيرة مثل جائزة نوبل التي تم تسييسها في مراحل معينة، وخلال دورات سابقة ولخدمة أهداف في الصراع بين المعسكرين؛ الغربي والشرقي، خصوصا إبان الحرب الباردة. وكذلك جائزة "مان بوكر” العالمية التي حاولت التعتيم في مراحل سابقة، على النضال الإيرلندي لنيل الاستقلال، أو جائزة "غوتكور” التي حاولت تعزيز الثقافة "الفرنكفونية” فيما تمنحه من جوائز وتكريمات.
ومع إقرارنا بأن الجوائز العربية الكبرى قد يكون علق بها من السياسة بعض الشوائب، إلا أن الخلل الأساس لا يكمن في هذه النقطة بالذات، بل في غياب المعايير الحقيقية للنظر في الأعمال المتقدمة للجوائز، أو في "فضفاضية” تلك المعايير، ما يجعل الحكم فيها أقرب إلى الرأي الشخصي منه إلى الحكم العملي القائم على بنود محددة.
في المجمل، هناك تحديات حقيقية أمام هذه الجوائز لكي تتصف بالإنصاف والموضوعية، أولها تحديد معايير ثابتة توحد وجهة نظر اللجان في منح التقييمات، وثانيها اختيار أعضاء اللجان من النقاد والمبدعين الحقيقيين، وأن لا نذهب إلى "الأسماء اللامعة” فحسب، التي يسعى المنظمون من خلالها إلى جذب اهتمام الإعلام على حساب الموضوعية.
بعد ذلك لا يبقى سوى أن تتصف هذه اللجنة بالموضوعية العلمية والأدبية والأخلاقية، وأن تبتعد عن الشخصنة والشللية، وعندها سوف تكون لدينا جوائز قوية تسهم في خلق حراك إبداعي يرفع من سوية الثقافة والأدب لدينا.