العيب فينا لأننا نقبل بأن يقرر الغير مصائرنا
علي الصالح
في مطلع الأسبوع الماضي عقد زعماء روسيا فلاديمير بوتين وإيران حسن روحاني وتركيا رجب أردوغان لقاء قمة في العاصمة التركية أنقرة، لبحث أهم ملفات الأزمة في سوريا، وسبل تسويتها، بما فيها إطلاق اللجنة الدستورية المسؤولة عن وضع الدستور الجديد، الذي يفترض أن يضع الأسس الجديدة لسوريا المستقبل.
لا غرابة وسط الاستقطابات الدولية والمحاور المتشكلة في المنطقة، أن يلتقي الرؤساء الثلاثة لبحث قضية تخص بلدانهم، وهذا أمر طبيعي، والقضية السورية تخص أردوغان الجار الشمالي الغربي لسوريا، والأقرب إلى المعارضة، الذي يحلم بعودة الخلافة العثمانية. وروحاني الذي يقف سندا لنظام بشار الأسد لاسباب يعرفها الجميع، وإن كانت الأسباب الطائفية في صلبها، وكذلك فرض النفوذ الايراني في سوريا. وبوتين الذي تدخل سوريا ضمن مصالحه الإقليمية، التي لن يتخلى عنها مهما كلفه الأمر ويريدها قاعدة متقدمة له في المياه الدافئة، بعد الخازوق الذي بلعه في ليبيا بوعود نكثتها الدول الغربية، باعطاء روسيا جزءا من كعكة الاستثمارات، وعملية إعادة بناء ليبيا، حيث انتهى به الأمر من دون قطعة من الكعكة، ولا حتى شم ريحتها، وآلت ليبيا إلى ما آلت إليه من فوضى وصراع قبائلي تحشر فيه نفسها دول خليجية.
وطبعا فبوتين الذي تعلم الدرس، كما يبدو، من التجربة الليبية التي تخلى فيها عن حليفه معمر القذافي، مقابل وعود اقتصادية غربية واهية، لن يكرر الخطأ في سوريا ذات الموقع المتقدم الأكثر استراتيجية، ولن يتخلى عنها بعدما سالت دماء جنوده فوق أرضها ويريد الثمن الذي سيكون باهظا على الشعب السوري.
ولكن الغرابة أن تعقد هذه القمم بغياب تام للسوريين خصوصا، والعرب عموما، ما يعكس مدى العجز العربي على كل الصعد. وتشكل هذه القمم وغيرها استهتارا بسوريا وشعبها، والأنظمة العربية عموما التي لم يعد لديها الشقيق الأكبر القادر على الدفاع عنها وتمثيلها، بعدما تخلت الشقيقة الكبرى بقيادة السيسي مقابل المال، عن هذا الدور لصالح محمد بن زايد، الذي يعتمد في أمنه وأمن الإمارات على الشركات الأمنية الاسرائيلية. تخيلوا أن يكون كبير العرب محمد بن زايد فأي منحدر ينحدرون.
من حق الشعب السوري أن تكون له كلمة الفصل في تقرير مصيره، هذا الشعب الأصيل الكريم، الذي كان الحضن الدافئ لمئات آلاف المطاردين والمعارضين العرب، هذا الشعب الذي كان الأم الحنون للاجئين الفلسطينيين في نكبتهم الأولى، وعاملهم معاملة المواطن السوري، هذا الشعب الذي كان الجدار الذي اتكأ عليه اللبنانيون خلال الحرب الأهلية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، لبنان الذي يتنكر نظامه الحالي وعدد من أحزابه للاجئين السوريين الذين توقعوا معاملة غير نكران الجميل، فاللاجئون السوريون يعاملون في لبنان كالايتام على موائد اللئام، ويريد النظام وبعض الأحزاب التخلص منهم اليوم قبل غد.
إننا نعيش في عالم يحكمه قانون الغاب فإن لم تكن الآكل فستكون المأكول
اللاجئون السوريون هم ضحايا حرب أهلية مدمرة، أكلت الاخضر واليابس وفتت سوريا جغرافيا وديمغرافيا، وهم غير محسوبين لا على النظام الذي لم يعد يكترث إلا باستعادة سطوته، التي يعبث بها القاصي والداني مهما كلف الأمر، أو المعارضة أو ما تبقى منها. وهذا ليس جديدا على النظام اللبناني. فقد تنكر ولا يزال للاجئين الفلسطينيين الذين هُجّروا إلى لبنان، أيام نكبة فلسطين، رغم ما قدموه للبنان وشعب لبنان على مدى عقود، من خبراتهم الثقافية والتعليمية والاقتصادية والتجارية وغيرها، وها هو هذا النظام يحاول دفع اللاجئين الفلسطينيين إلى هجرة جديدة نحو المجهول، عبر قانون عمل مجحف تقدم به وزير العمل كميل شاكر أبو سليمان، بحجة مكافحة «العمالة الأجنبية غير الشرعية»، وهو قانون مرفوض جملة وتفصيلا.
والشيء بالشيء يذكر فإن الوجود الفلسطيني كان ولا يزال أحد ركائز الاقتصاد اللبناني حتى أيام وجود منظمة التحرير، التي أضعف خروجها من لبنان الليرة اللبنانية. وأكد ذلك الخبير الاقتصادي طوني نصرا بالقول، «إن أزمة لبنان المالية سببها سحب المستثمرين الفلسطينيين أموالهم من البنوك اللبنانية، احتجاجاً على إجراءات الوزير أبو سليمان». وأشار على صفحته على تويتر إلى أن الفلسطينيين في لبنان سحبوا مئات الملايين من الدولارات من البنوك اللبنانية، بعد قرار وزير العمل ضد المستثمرين الفلسطينيين، مشيراً إلى احتمال تدهور الأمور، في حال استمرار التضييق على التجار الفلسطينيين، الذين لهم دور كبير في تنمية الاقتصاد الوطني اللبناني.
عودة إلى سوريا فإن من حق شعبها علينا، أن نفكر به لا أن نلقي بمشاكلنا عليه، ونحمله أخطاءنا وقصورنا، فاللاجئ السوري لم يكن يوما عالة اقتصادية على أي من البلدان التي لجأ إليها، ولم يمد يده إلى أحد. فاللاجئ السوري لا يمكن أن يكون عبئا على الاردن ولا سببا للمشاكل فيه، وهو بالتأكيد ليس سبب المشاكل الاقتصادية والأمنية في لبنان. واللاجئ السوري ليس السبب في ارتفاع الأسعار في مصر أو في تركيا، فالسوري إنسان عنده كرامة، وأينما يحل يستثمر ما لديه في مطاعم وصناعة النسيج ومجالات عديدة وينعش اقتصاد كل الدول التي لجأ اليها.
وأخيرا سأصر على أن «العيب فينا وليس في إيران»، فلإيران أطماع إقليمية ومصالح طائفية معروفة، وأضيف أن العيب فينا وليس في تركيا التي يحلم فيها أردوغان بعودة مجد الخلافة العثمانية، كما أسلفنا، نعم العيب فينا وليس في روسيا التي تسعى لتحقيق مصالحها، على حساب ضحايا وشهداء وجماجم الشعب السوري ودمائه، نعم العيب فينا وليس حتى في إسرائيل، التي تسعى لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، بتنسيق مع دول عربية خليجية، ترى في إيران عدوها الأكبر. ولا أدري إن كان قصف أرامكو السعودية بصواريخ باليستية من جهة مجهولة، رغم الإصرار على تحميل إيران المسؤولية، سيغير في الأمر شيئا، جراء رد واشنطن الباهت وكذلك إسرائيل. نعم العيب فينا وليس في غيرنا، لأننا فقدنا الحيلة والغيرة، ونقبل أن تناقش قضايانا وتقرر مصائرنا بعيدا عنا في عواصم العالم الأخرى.
وأختتم بقولين «مأثورين» لسيد البيت الابيض دونالد ترامب تعكس لمن لا يعرف بعد رؤيته الحقيقية للعرب عموما ولزعمائهم خصوصا. القول الاول سجلته «وول ستريت جورنال» الأمريكية خلال قمة مجموعة الدول الصناعية السبع في باريس الشهر الماضي، وسُمع فيها ترامب وهو يصف الرئيس المصري السيسي بـ»ديكتاتوري المفضل». وقالت الصحيفة إن ترامب كان ينتظر اجتماعا مع السيسي، وأثناء انتظاره نظر إلى تجمع من المسؤولين المصريين والأمريكيين ونادى بصوت مرتفع قائلا: أين ديكتاتوري المفضل؟ وربما جاء تعليق ترامب من باب المداعبة، لكن من سمعها من المسؤولين من الطرفين التزم الصمت المطلق. وحتى لو كانت من باب المداعبة وهي قد تكون، فأي مداعبة هذه. وبالمناسبة وحسب الصحيفة الأمريكية، كان من بين الحاضرين من الجانب الأمريكي وزير الخزانة ستيفن منوشين، ومستشار الأمن القومي آنذاك جون بولتون، ومن الجانب المصري وزير الخارجية سامح شكري، ورئيس جهاز المخابرات العامة عباس كامل.
القول «المأثور» الثاني لترامب جاء خلال استقباله لولي عهد البحرين في البيت الأبيض. وهو مسجل في شريط مصور تناقلته وسائل التواصل في الأسبوع الماضي. وخلال اللقاء توجه ترامب إلى ضيفه بالقول: «جيد، ولي عهد البحرين يملك 700 مليار دولار والسنة المقبلة 718 مليار، والسنة التي بعدها 738 مليار دولار وهذا مال كثير والبحرين تملك الكثير من المال». ورد عليه ولي عهد البحريني تسبقه ابتسامة بلهاء بالقول: «نعم هذا المال كثير». وسأكرر القول اننا نعيش في عالم يحكمه قانون الغاب فان لم تكن الآكل فستكون المأكول، وأعاننا الله على من ابتلينا بهم.