شهادة حُسن سلوك حمساوية
تملك حركة حماس عوامل تتفوق فيها ومن خلالها على باقي الفصائل الفلسطينية دون استثناء، تتمثل بما يلي:
أولاً سيطرتها الكاملة المنفردة على قطاع غزة بدون منافس.
ثانياً مصداقية التزامها بما تتعهد به نحو اتفاق التهدئة الأمنية مع المستعمرة بوساطة مصرية، حيث لا يستطيع أي طرف فلسطيني خرق اتفاق التهدئة مع الإسرائيليين، ولو حصل تقوم حركة حماس بردعه وإرغامه على دفع الثمن.
ثالثاً أنها جزء وامتداد لأكبر وأهم حركة سياسية عابرة للحدود في العالم العربي، حركة الإخوان المسلمين، بل ولها امتدادات عالمية، مما يعني أن التوصل إلى اتفاق إسرائيلي مع حركة حماس، لن يجد الرفض، إن لم يجد القبول، كما حصل مع موقف حماس من صدام 5 إلى 7 آب حيث لم تتلق حماس أي اعتراض علني من قبل فصائل الإخوان المسلمين على هذا الموقف غير المقبول، بل قد وجدت من بعضهم التفهم والثناء على مواقف حماس، دفاعاً عن موقفها في عدم التصدي للمستعمرة وعدم مواجهتها، وترك الإسرائيليين يستفردون بحركة الجهاد الإسلامي.
ما تملكه حماس يدفع سياسات المستعمرة وأجهزتها نحو البحث عن أرضية مشتركة باتجاه التعامل والشراكة مهما بدت نسبية أو قليلة أو ضعيفة، فالحروب العدوانية التي شنتها قوات المستعمرة على قطاع غزة 2008، 2012، 2014، 2018، 2021، 2022، مترافقة مع الحصار، ورغم الخسائر البشرية الفادحة للفلسطينيين والخراب والدمار الذي صابهم، أدت نتائجها إلى النقيض حيث التعاون والرضى وقبول حماس إلى ما تقدمه المستعمرة لها من تمرير المال لتغطية رواتبها، وزيادة أعداد العاملين في مناطق 48 من قطاع غزة، وإدخال النفط والكهرباء وفق الحاجات الضرورية، بهدف تحسين أحوال الفلسطينيين في قطاع غزة.
الإسرائيليون يخططون نحو تغذية المزيد من خطوات الانقسام والعزلة بين قطاع غزة وباقي المناطق الفلسطينية، وتعزيز سيطرة حماس واستفرادها بقطاع غزة، حتى تتحول غزة إلى عنوان مستقل سياسياً وإدارياً ومالياً، وهو توجه يستجيب مع رغبات حماس بالتفرد والسيطرة الكاملة على قطاع غزة، وأن تحظى بالقبول عبر خطوات تدريجية تراكمية تشهد لها بالكفاءة والتكيف.
ليست خطوة عدم مشاركة حماس وموقفها من معركة الخامس من آب، في ترك حركة الجهاد الإسلامي وحدها تدفع ثمن الاستهداف الإسرائيلي، بل سبقها خطوة جوهرية في غاية الأهمية قبل سنوات، لم يكن خيار حماس في الإقدام عليها، مجرد خطوة إجرائية شكلية، بل كانت سياسية بامتياز، هدفت من خلالها التكيف مع معطيات إقليمية ودولية تحالفت مع بعضها بهدف الوقوف الحازم والإنحياز الواعي للثورة، كما أسمتها حركة الإخوان المسلمين، أو الثورة المضادة كما أطلقت عليها الاتجاهات اليسارية والقومية، وتتمثل بالوقوف ضد النظام السوري والإنحياز للمعارضة المسلحة وتيار الإسلام السياسي، وكان ذلك بمثابة رسالة سياسية لا تعبر فقط عن الإنحياز لخيار الإخوان المسلمين بل الإنحياز لمعسكر أعداء النظام السوري، كان ذلك الموقف بمثابة تقديم شهادة حُسن سلوك أولى، وإن كان ذلك الموقف على أهميته غير كافٍ لإزالة اسم حماس عن قوائم الإرهاب.
عدم مشاركة حماس مع حركة الجهاد الإسلامي في التصدي للإسرائيليين يوم 5 آب 2022، بمثابة تقديم شهادة حُسن سلوك ثانية، وهو نفس الطريق والخيار والأدوات التي سبق وسلكتها قيادة حركة فتح بعد اغتيال الرئيس ياسر عرفات، ورحيله مع نهجه، الذي سلكه واختاره على أثر فشل مؤتمر كامب ديفيد في شهر تموز 2000، حيث اختار طريق التفجير والمقاومة والصدام ضد المستعمرة، ودفع حياته ثمن خياره، فجاءت قيادة فتح من بعده لتسلك طريقاً آخر نقيضاً لخيار ياسر عرفات ونهجه.