لتراها جميلة
مهنا نافع
والآن أدركت أن أجمل الأيام كانت أيام مدرستي، وأن أحب الناس إليّ رفاق الصبا، وأنه مهما تغيرت أحوالنا عندما نلتقي نعود لسيرتنا الأولى كما كنا، نجتمع لنضحك، ونلعب لنفرح، لا نميز بعضنا عن بعض إلا بجمال الإبتسامة، سعينا المنشود قضاء وقت جميل مع رفقة طيبة، نتحاور وقد نتخاصم، وبكل يسر نتصالح، صداقتنا وصفت ببساطة فقد كنا لا نعرف الكثير من الكلمات فالبعض منها جهلناه، منها عرفنا ألوفاء والإخلاص، ومنها جهلنا ألتزلف والنفاق.
وكبرنا مع قريتنا وأصبحت بالعرف مدينة فضاقت الطرق وانبعث غاز ليغير لون السماء والسحب، وقلت أزهارها وكثرت بالليل أنوارها، ومع الأيام خشنت أصواتنا وفقدنا الكثير من نعومة أظفارنا، وابيض ما تبقى من الشعر على رؤوسنا، تغيرنا وتغيرت أسماءنا فنحن الآن كبار السن، وأما قريتنا فتدعى اليوم بالمدينة الكبيرة.
بقينا كما كنا نحبها، فهي بقلوبنا غالية عزيزة، وإن بدا بها بعض المظاهر عنا غريبة، فلكل الأماكن ذكريات، هناك جلسنا وهناك لعبنا، وإن تتغير المعالم لتنهي كل الملامح لتلك الأماكن فلن نرتبك أو نحتار لأننا نعلم أن الوجدان غني بكم هائل من الذكريات، من ذكريات الإبتسامة الرقيقة والرفقة الصالحة والوجوه الغانمة والكلام الطيب والصداقة الصادقة والمواقف المشرفة والمشاعر الجياشة، كلها كانت ذكريات جميلة ولكن أجملها كان الإثار وبسخاء رغم ضيق الحاجة، فقولي لي يا مدينتي أأنت فقط من أحبك الآن أم أنت والإنسان؟
نحب الوطن وقد نراه بمكان بقرية أو بمدينة ولكن ساكنيه هم من يجب أن نحب أكثر وإن كنا لترابه نحب ونعشق فإنسانه هو من أجدر بالعشق أكثر، فحب الأماكن لا يفصل أبدا عن محبة أهلها من قاطني المساكن .
ومهما أخذتنا المدينة بعيدا عن سيرتنا الأولى وإن حاولت أن تذيبنا بين متاهات أزقتها ستحن قلوبنا وبلمح البصر إلى أي كينونة تذكرنا بالماضي الجميل، لندرك المعنى الصحيح للأصالة والعراقة، نعم إنه التراث، تراث الصدق والجود، تراث النخوة والمحبة، تراث السماحة والطيب.
تراث ثري بكلمات كلها سمات خير لنتاج الخير من إرث للمواطن الإنسان، ذلك هو تراثنا ورثناه من أجدادنا وليس للمدينة أن تذيبنا بمتاهاتها، فحداثتها وجدت لخدمتنا، ولن تذيبنا أو حتى لفطرتنا تنسينا، ويا ليتنا نعود كما كنا مع رفاق الصبا فلو إستطعنا أو حتى لو قليلا ًمن ذلك اقتربنا، لن نرى الأيام إلا كسابق عهدها، جميلة كجمال طفلة بمهدها.
مهنا نافع