قرار تخفيض إنتاج النفط

لم تتجاوب بلدان الخليج العربي, خاصة العربية السعودية والإمارات العربية، مع مطالبة الرئيس الأميركي بزيادة ضخ النفط للسوق، وكان ذلك ملفتاً، بل قرروا تخفيض الانتاج النفطي بدلا من زيادته، بناء على قرار بلدان التحالف مع مجموعة: أوبك زائد التي تشمل روسيا مع هذه المجموعة.
السؤال المحير للمراقبين حول دوافع استجابة مجموعة الأوبك وضمنهم بلدان الخليج العربي، مع الاقتراح الروسي لتخفيض الانتاج، هل هي دوافع إقتصادية تجارية مالية؟؟ أم دوافع سياسية؟؟ أم كلاهما معاً، حيث لا قرار إقتصاديا على هذا المستوى وبهذه الأهمية بدون توفر مغزى سياسي إلى جانب الاقتصادي، وسيؤدي إلى نتائج سياسية مهما كانت أولوية متخذي القرار لدى منظومة الأوبك أن دوافعه إقتصادية محضة، في ظل المناخ الدولي المتوتر على خلفية الاجتياح الروسي لأوكرانيا، وتداعياته السياسية والنفطية والغازية، والعقوبات الأميركية المعلنة المفروضة ضد روسيا، في محاولة قوية لإستنزافها وإضعافها تسعى لاحباط الدوافع الروسية نحو إلغاء نتائج الحرب الباردة وحصيلتها أنذاك هزيمة الإتحاد السوفيتي وسيطرة القطب الأميركي الواحد على المشهد السياسي الدولي، فالحرب الروسية على أوكرانيا، لها دوافع سياسية، تهدف إلى إستعادة مكانة روسيا كقطب مواز للقطب الأميركي الأوحد.
ومع ذلك ملفت للانتباه عدم استجابة بلدان الخليج العربي للمطلب الأميركي، أكثر من ذلك إتخاذ قرار خليجي على الأغلب لا يمكن قراءته سوى أنه مناكف للرغبة الأميركية، فكيف يكون ذلك؟؟ ما هي دوافعهم؟؟ كيف يمكن تفسير هذا التوجه غير المسبوق؟؟.
بلدان الخليج العربي أصبحت قوة مالية لها حضور وحساب ونفوذ لدى مؤسسات صنع القرار الأميركي، ولا شك أن لديها حالة من التسلل عبر أصدقاء نافذين يعملوا كمستشارين مع الخليجيين، يتم تغطية تكاليف عملهم واستشاراتهم.
والمؤكد أنهم تصرفوا وفق مصالحهم وزيادة تحصيلهم من بيع النفط وحرصهم على مستويات البيع، ولم يعودوا مجرد موزعين متلهفين للبيع بأية أسعار مهما تدنت مستوياتها، والمؤكد أكثر أن الجيل الجديد من قادة الخليج العربي من الممسكين بإدارة مؤسساتهم باتوا من المتعلمين و خريجي أرقى الجامعات، ومُطلين على تفاعيل المجتمع الدولي سياسياً واقتصادياً، ولديهم إتفاقات أمنية عسكرية مدفوعة التكاليف مع مختلف البلدان الأوروبية والولايات المتحدة، تُشعرهم بالطمأنينة ، مثلما يملكون الاطلالة على المشهد الداخلي الأميركي إنتخابياً وتنافسياً بين الديمقراطيين والجمهوريين ويستثمرون الهامش التنافسي بين الحزبين.
تقدمت بلدان الخليج العربي، وانتقلت مستوياتها الاقتصادية والاجتماعية، ودرجة تطورها من قائمة بلدان العالم الثالث، لتكون جزءاً من مجموعة العالم المتطور، وهذه لها أثمان ووعي وكلفة يعيشونها، ويتوسلون الوصول إليها.