تعرف كيف تقلصت صلاحيات ملوك بريطانيا لمصلحة رئيس الوزراء

تعاقبت على بريطانيا في الماضي سلسلة من الأحداث التي أسهمت في الحد من صلاحيات الملوك الذين تربعوا على العرش في القرون الوسطى، واستمرت تلك الأحداث في التصاعد إلى أن تحوّلت بريطانيا إلى ملكية برلمانية في القرن التاسع عشر، ومنذ أن تسلمت عائلة الملكة إليزابيث الحكم سعت إلى توطيد أركانه بزيادة شعبيته لدى العامة بدلاً من استخدام القوة التي اعتاد الملوك اللجوء إليها. 

فلنتعرَّف معاً على أبرز المحطات التاريخية التي مرت بها المملكة المتحدة لتغدو ملكية برلمانية لا تحظى فيها الملكة بصلاحيات مطلقة، ولنكتشف أسرار شعبية العائلة المالكة:  

 

الخطوة الأولى لتقليص صلاحيات العائلة الملكية

منذ القرون الوسطى أبدى البارونات والوجهاء معارضة شرسة لاستبداد النظام الملكي، وقد حظيت تلك المعارضة بشعبية واسعة نظراً لما تبشر به من تقليص سلطات الملك وإخضاع قراراته وأفعاله للرقابة. 

يشاع أن "الوثيقة العظمى" هي أول وثيقة وضعت حدوداً لصلاحيات ملك إنجلترا، إلا أن تلك الوثيقة ما هي إلا نسخة مطورة من ميثاق الحريات الذي أصدره هنري الأول ملك إنجلترا، عند الصعود إلى العرش في 1100.

وبالرغم من أن هذا الميثاق لم يقيد حرية الملك إلى درجة كبيرة، ولم ينص على التزامه بالقانون كسائر العامة، فإنه كان ملزماً للملك ببعض القوانين المتعلقة بمعاملة المسؤولين في الكنيسة والنبلاء.

 

الوثيقة العظمى

مع تزايد الاحتجاجات على صلاحيات الملك اللامحدودة، وتعاظم نفوذه من قبل البارونات والنبلاء، اضطر ملك إنجلترا جون لاكلاند إلى التنازل عن بعض صلاحياته، وذلك بالتوقيع على "الوثيقة العظمى" في العام 1215.

وقد نصت بنود الوثيقة على أن يعمل الملك وفقاً للقانون، فلا يحق له معاقبة أي "رجل حر" بناء على رغبته الشخصية فقط، كما سيمنح نطاقاً أكبر من الحريات للنبلاء وعامة الشعب، ولن تكون السلطة المطلقة بيده.  

إذ يتوجب على الملك مشاورة حكومته والمجالس المحلية التي تشكّلت بناء على الميثاق، وشكَّلت نواة البرلمان البريطاني قبل اتخاذ أي قرار.

 

هنري الثامن

بقي العمل ببنود الوثيقة العظمى ساري المفعول حتى عهد هنري الثامن الذي ضرب بتلك الوثيقة عرض الحائط، ونصّب نفسَه قائداً روحياً لبريطانيا في العام 1534، واستولى على أملاك الكنيسة، وعاد الاستبداد ليكون النهج الحاكم الذي امتد لسنوات حتى بعد وفاة هنري الثامن.

 

إعدام الملك تشارلز الأول

اتَّبع الملوك الذين توالوا على حكم إنجلترا بعد هنري الثامن سياسته الاستبدادية ذاتها، ولم يتبع أي منهم ما جاء في بنود الوثيقة العظمى.

إذ توالى على العرش 6 ملوك، من بينهم الملكة ماري الأولى، التي عرفت بتعطشها للدماء واستبدادها، قبل أن يتولى تشارلز الأول الحكم، وتثور ثائرة الشعب والنبلاء على حد سواء.

ففي أواسط القرن السابع عشر، وتحديداً في العام  1649، اندلعت حرب أهلية طاحنة انتهت بمقتل الملك وانتصار خصومه، بقيادة اللورد "أولفيير كرومويل".

لم يكن اللورد كرومويل أحسن حالاً من الملوك الذين سبقوه، فقد اتبع كذلك نظاماً ديكتاتورياً دموياً كانت نتيجته ثورة شعبية انتهت بمقتل اللورد في العام 1658.

 

عهد ماري الثانية

بعد انهيار حكم اللورد كرومويل، خلفه ابنه ريتشارد، لكن سرعان ما عاد الحكم مرة ثانية لعائلة ستيورات، فتولى العرش تشارلز الثاني، ابن تشارلز الأول، الذي مات مقتولاً بعد ما يزيد قليلاً عن عقد على وفاة والده.

لم يكن عهد تشارلز الثاني مماثلاً لعهد والده، فقد أفسح المجال قليلاً أمام الحريات السياسية، فأوقف على سبيل المثال قانون التوقيف التعسفي.

وفي العام 1689، تم تتويج ماري الثانية ملكة على عرش إنجلترا، التي صادقت على الفور على قانون الحريات الذي يُقلص صلاحيات الملك بشكلٍ كبير، ويمنح سلطات واسعة للبرلمان، لتنتقل بريطانيا بذلك إلى عهد الملكية البرلمانية.

 

الملكية البريطانية "جمهورية سرية"

خلفت ماري الثانية شقيقتها آن، التي كانت آخر فرد يحكم إنجلترا من عائلة ستيورات، وتوالى على العرش بعد ذلك ملوك من عائلة هانوفر، باتت بريطانيا في عهدهم "جمهورية سرية"، كما وصفها البعض.

فقد وصلت محدودية صلاحيات الملك إلى الحدّ الذي لم يستطع فيه الملك اختيار رئيس وزرائه، وهذا ما حدث فعلاً في عهد الملك ويليام الرابع (1830-1837) والملكة فيكتوريا (1837-1901).