ألمانيا نحو القطب الثالث
تمتلك ألمانيا ميزتان هما: أولاً أنها ثالث قوة اقتصادية في العالم بعد الولايات المتحدة والصين، وثانياً أنها القائد السياسي الأول في أوروبا، وبالتالي فهي تملك القدرة الاقتصادية والمكانة السياسية الأبرز، ولكنها تفتقد للقدرة العسكرية التي توازي ما تملكه سياسياً واقتصادياً، ولهذا أكد المستشار الألماني شولتز أن بلاده تتجه نحو امتلاك القدرة العسكرية المطلوبة التي تعكس طموح ألمانيا ومكانتها الواقعية.
في 1/1/2025، تنتهي فترة العقوبات الدولية المفروضة على ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، تلك العقوبات التي تمنع ألمانيا من امتلاك قدرات عسكرية متقدمة، وبانتهاء فترة العقوبات المقررة عليها، تكون ألمانيا قد استعادت حريتها وخياراتها في أن تكون كما تشاء، ولهذا رصدت الحكومة الألمانية مبلغ مائة مليار يورو كدفعة أولى لتغطية احتياجاتها العسكرية، وهي بصدد رصد الدفعة الثانية العام المقبل لتتحول ألمانيا لقوة عسكرية توازي تفوقها السياسي والاقتصادي، وتتمكن كي تكون قوة عظمى مع الخمسة الكبار: الولايات المتحدة، روسيا، الصين، فرنسا وبريطانيا.
و بذلك ستفرض المانيا نفسها كطرف موازٍ، لا تقبل الخضوع للسياسة الأميركية والتبعية لها، كما هي الآن محمية من قبل قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة.
ألمانيا تنتظر فترة إنتهاء العقوبات المفروضة عليها والمقيدة لها، وتنتظر نتائج الاجتياح الروسي لأوكرانيا، القائمة على المواجهة الأميركية الروسية في أوكرانيا، حيث تعمل موسكو على تحقيق ثلاثة أهداف :
أولا تحقيق مصالح روسيا داخل أوكرانيا بمنعها لأن تكون قاعدة أمريكية وقلعة متقدمة ضدها على حدودها الغربية اللاصقة.
ثانيا إنهاء معاناة الروس الأوكران و رفع التمييز الواقع عليهم واضطهادهم من قبل الاوكران، واستعادة حقهم في تقرير مصيرهم.
ثالثا الوصول الى الهدف الدولي الأكبر الذي تسعى له، وهو شطب نتائج الحرب الباردة، وإنهاء مظاهر هزيمة الاتحاد السوفيتي في تلك الحرب، عبر إلغاء هيمنة القطب الأميركي الواحد على السياسة الدولية.
نجاح روسيا في توجاتها نحو اجتياح أوكرانيا، سيوفر الفرصة، لاستعادة القطب الروسي الصيني المتمكن في مواجهة القطب الأميركي المنفرد، مما سيضعف تفرد الولايات المتحدة بالسياسة الدولية، وهذا ما تنتظره ألمانيا وتأمله، وهذا الدافع لدى ألمانيا هو الذي يُفسر عدم حماسها في دعم أوكرانيا، كما ترغب الولايات المتحدة التي تتدفق مساعداتها المتتالية على أوكرانيا لتقاتل روسيا بآخر مواطن و جندي أوكراني، بينما تكاد تكون ألمانيا محايدة، وتقدم دعمها الخجول إلى أوكرانيا، حيث تشير الاستفتاءات الألمانية أن الشعب الألماني لا ينظر لمعركة أوكرانيا أنها معركته، إلا من زاوية تخفيف المعاناة عن شعب أوكرانيا، والمطالبة بوقف الحرب، وعدم الاستجابة للرغبة الأميركية التي تسعى لمواصلة الحرب بهدف استنزاف روسيا وإضعافها.
ألمانيا تتطلع بعد 1/1/2025، كي تكون مع فرنسا في قيادة أوروبا القطب الثالث بين القطبين: الأول أميركا وبريطانيا، والثاني روسيا والصين، وتسعى مع فرنسا لتتمثل في موقع القطب الثالث ومكانته بينهما، وأول ما سوف تحصل عليه موقع العضو الدائم في مجلس الأمن إلى جانب حقوق الخمسة الكبار لدى الأمم المتحدة.