السندباد المواطن والسندباد القائد
السندباد المواطن والسندباد القائد بين المغامرة والمقامرة في رواية (السندباد الأعمى أطلس البحر والحرب) للروائية الكويتية بثينة العيسى
بقلم أُسَيْد الحوتري
(السندباد الأعمى أطلس البحر والحرب) أحدث روايات الروائية الكويتية المبدعة بثينة العيسى. تعرض هذه الرواية قصة جريمتين أسريتين: الجريمة الأولى جريمة شرف تقع على شاطيء البحر، حيث يقتل نواف زوجته نادية التي يراها في وضع مخل مع صديقه عامر، ثم يقتل صديقه أيضا ولكن بعد حين. أما الجريمة الثانية فهي جريمة موازية على المستوى الأكبر، على المستوى الجغرافي حيث تقوم الشقيقة العراق بغزو شقيقتها الكويت فيُفتح صندوق (بندورا) على مصراعيه، ليكثر الهرج المرج والاعتقال والأسر، أما اللجوء فحدث ولا حرج. لا يختلف نوّاف كثيرا عن صدام حسين فكلاهما "لازم يدمر كل شيء قبل أن يرى خسارته” قيلت هذه جملة في وصف صدام حسين في صفحة (256)، وتكررت نفس الجملة لتصف نوّاف في صفحة (260).
(السندباد الأعمى) قصة مناير التي يدمر الغزو عالمها الكبير، والتي دمر والدها من قبل عالمها الأسري الصغير. لقد قتل نواف والدتها، وأهمل وجودها، لا بل اعتبرها بقية من زوجة جلبت له العار. عاشت مناير كاليتيمة بين أهلها. تتعلق مناير بقطة عمياء، سندباد آخر أعمى، فتعتبر هذه القطة أختها تارة، وابنتها تارة أخرى، ولكن تصل يد البطش إلي هذه الهريرة وتقذف بها إلى الشارع، لتفقد مناير مرة أخرى أحد أعضاء أسرتها. تكبر مناير، ويكبر الظلم أيضا، فيتزوجها ابن عمها فواز ويخونها مع إمرأة أخرى فتقرر الإنفصال عنه. تبالغ مناير في العناية بطفلتها، ولكن طفلتها تعُقها وتفضل البقاء مع والدها. الظلم الذي وقع على مناير جعلها تفشل في كل أدوارها، ففشلت كابنة، وكزوجة، وأخيرا كأم. تخلع مناير في آخر الرواية عن نفسها ثوب الأنوثة وتحلق شعرها علها تصبح رجلا لتستطيع العيش في عالم يحكمه الذكور.
(السندباد الأعمى) رواية تحكي قصة التعصب الطائفي والذي يحول دون اقتران عامر الشيعي بنادية السنية. فيتنكر عامر لحبه، ويقنع نفسه بأنه لا يحب نادية، وأنها في مقام أخته، ويتركها لصديقه السني نواف ليتزوج منها.
(السندباد الأعمى) تروي أيضا قصة مجتمع ذكوري يحابي الرجال، ويتهاون في جرائم الشرف فلا تكون الأحكام بحجم الجريمة. كما ويحصل المدان في الغالب على عفو قبل يتم سنوات سجنه، وهذا ما حدث تماما من نواف! لقد قُتلت نادية دون أن ترتكب ما يجعلها تستحق القتل شرعا أو قانونا، فهي لم تفضي إلى عامر كما يفضي الرجل إلى زوجته.
(السندباد الأعمى) رواية تخط حروفها الضحية نادية والتي أرادت أن تروي "قصة امرأة تزوجت رجلا لم يحبها كما تحتاج، بل كما يريد” ، وبالطبع كان هناك رجل آخر سيحبها كما تريد. هي تريد وهو يرد ولكن وزجها في نهاية المطاف فعل بهما ما يريد.
(السندباد الأعمى) رواية تسطر أحداثها مناير التي هي في الحقيقة ليست مناير! وتقدمها لفاطمة أخت عامر، والتي هي أيضا ليست بفاطمة! ولكن "قلة الحيلة” هي التي تفرض على شخصيات الرواية هذه الأسماء. هذه الرواية هي أشبه ما تكون برحلة جبرا إبراهيم جبرا لـ (البحث عن وليد مسعود) المفقود في العراق؛ ولكن هذه المرة تقود مناير رحلة للبحث عن عامر المفقود في الكويت. ما أكثر الفقد وما أكثر البحث أما الوجد فمن أعمال القدر. تحاول مناير في هذه الرواية الإجابة على سؤال المصير، فماذا حل بعامر؟ على الرغم من أنها ليست متأكدة تماما مما كتبت. فلقد كتبت ما تعرف وتخيلت ما لا تعرف.
(السندباد الأعمى) تروي حكاية مجموعة من المغامرين الذين عميت بصيرتهم: نواف الذي لم ير قصة الحب الدائرة بين نادية وعامر. نادية التي لم تكتشف حب عامر لها قبل زواجها من نواف. عامر الذي وقع في حب نادية دون أن يرى الحاجز الطائفي الذي يحول دون ارتباطهما، وكان يعتقد أن "كلنا أمة محمد” . مناير وفواز اللذان تزوجا معتقدين أن بينهما علاقة حب، ثم يكتشفا أن الزواج قد تم بدافع شفقة فواز على مناير ورأفة منه بحالها وخصوصا بعد قتل أمها. عامر الذي طاف الأرجاء فذهب إلى مصر والعراق ثم عاد إلى الكويت وأسلم نفسه لنواف دون أن يرى في ذلك أي خطر، فقتله نواف بدم بارد. فاطمة وهدى اللتان اعتقدتا أن نواف أخرج عامر من السجن لطيبة قلبه. نواف الذي فقد عينيه، حبيبتيه: زوجته نادية وصديق طفولته عامر، فساح كسندباد أعمى بين مانيلا، وجاكرتا وبتايا "يفتش عن بحر لا يشبه بحره، عن نساء لا يشبهن نساءه” . بعض من المسؤولين الكويتيين الذين غضوا الطرف عن التهديدات العراقية الواضحة، ولم يرو في حشد النظام العراقي لجحافله على حدود تهديدا بغزو وشيك. النظام العراقي الذي لم ير أن في غزو الكويت دمار له وللعراق وللمنطقة بأسرها، كلهم كانوا مجموعة من المغامرين الذين عميت قلوبهم عن إدراك الحقيقة.
ثيمات كثير عالجتها الكاتبة الكويتية المبدعة بثينة العيسى في روايتها (السندباد الأعمى)، ذكرتني هذه الرواية برائعتها (كل الأشياء) حيث كانت تعج أيضا بثيمات متعددة. مع ذلك فقد سكتت الروائية عن ثيمة شائكة تُذكر عادة عند التطرق إلى حديث الغزو، ألا وهي الفجوة بين الموقف الرسمي للدول التي أطلق عليها "دول الضد”، وبين الموقف الشعبي لرعايا هذه الدول المقيمين في الكويت. لقد تطرق لهذه الثيمة الكاتب الكويتي سعود السنعوسي في (فئران أمي حصة)، حيث أوضح أن كل من الفلسطينيين: أوبو طه وأبو نائل كانا معارضين للموقف الرسمي الفلسطيني، وأنهما كانا مع الكويت قلبا وقالبا.
(السندباد الأعمى أطلس البحر والحرب) مغامرة حب فاشلة تدور آخر فصولها على شاطئ البحر، ومغامرة حرب كارثية تدور رحاها على البر، مقامرتان تنتهيان بالموت والدمار.
أُسَيْد الحوتري