الحضور الفلسطيني في مناطق 48
تميز الشيوعيون داخل منطقة الاحتلال الأولى عام 1948، بين أبناء الجليل والكرمل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، أنهم التنظيم السياسي الأقدم، وربما الوحيد الذي بقي من تراث ما قبل النكبة والترحيل، وبقوا وواصلوا العمل منفردين، كحزب وطني ضد الصهيونية والاحتلال والتمييز، وسجلوا انهم الأكثر فعالية وتأثيراً بعد وقوع النكبة ونتائجها المدمرة التي ادت إلى تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني وتشرده.
ورث الشيوعيون عصبة التحرر الوطني الفلسطينية، والحزب الشيوعي الفلسطيني، اللذين اندمجا بعد النكبة تحت يافطة الحزب الشيوعي الإسرائيلي.
تصدى الشيوعيون قبل وخلال أشهر النكبة لحملات التطهير العرقي التي قارفتها تنظيمات الحركة الصهيونية وفصائلها المسلحة وجرائم القتل والطرد للفلسطينيين، وقادوا حملات حث الفلسطينيين على الصمود في بلداتهم، وعدم الرحيل، بل والعودة إلى المدن والقرى التي طردوا منها.
بعد النكبة واجهوا التمييز العنصري وعملوا على فضحه وتعريته، ولا زالوا، وانفردوا في التأكيد على أن بقايا الفلسطينيين، الذين صمدوا وبقوا في بلدهم، وهم أقلية لا تتجاوز 150 ألف نسمة، أنهم جزء من الشعب الفلسطيني، وليسوا «عرب إسرائيل» والتسميات المماثلة التي أطلقتها عليهم وسائل الإعلام والتسمية الرسمية لمؤسسات المستعمرة واجهزتها، وقد انساق البعض لهذا الوصف والتسمية، باستثناء الشيوعيين الذين أكدوا عبر إعلامهم وبياناتهم وكتابات المثقفين والمبدعين منهم: توفيق زياد، محمود درويش، سميح القاسم وغيرهم، أن هذا المكون الإنساني الذي بقي في مناطق 48، هم جزء من الشعب الفلسطيني لا ينفصل عنه.
مارس الشيوعيون العمل السياسي الرسمي واعترفوا بمشروع المستعمرة على أرض فلسطين، على أنها «دولة إسرائيل»، وخاضوا انتخابات الكنيست الإسرائيلي من أول دورة، وبات لهم التمثيل الدائم، وقد أثر ذلك الخيار على دفع الفلسطينيين نحو المشاركة في الانتخابات، واستغلت الأحزاب الصهيونية هذا التوجه، وشكلت قوائم عربية مرتبطة مع الأحزاب الصهيونية، وتنال عضوية الكنيست.
تميزت فترة سنوات الخمسينات حتى نهاية الستينات، بقوة المشاركة الفلسطينية، وارتفاعها : عام 1951 وصلت إلى 82% من الفلسطينيين الذين يملكون حق الاقتراع، 1955 بنسبة 90%، عام 1959 بنسبة 85%، وهذا يعود إلى دوافع التأكيد الفلسطيني على أهمية البقاء، وممارسة حق المواطنة الانتخابية والسياسية في بلدهم، في ظل الحكم الإسرائيلي، على أمل حصولهم على المساواة لهم كمواطنين أسوة باليهود الإسرائيليين.
نضوج الوعي السياسي لدى فلسطينيي مناطق 48، ومواصلة التمييز الصارخ ضدهم من قبل مؤسسات المستعمرة الرسمية، وقناعتهم أن مشاركتهم في الانتخابات لم تعط النتائج المطلوبة في المساواة والعيش الكريم ، أدى إلى تراجع نسبة التصويت عندهم لانتخابات الكنيست، خاصة بعد التوسع الإسرائيلي في احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967: الضفة والقدس والقطاع، وبروز المقاومة الفلسطينية رداً على الاحتلال، وولادة منظمة التحرير كجبهة وطنية ائتلافية معترف بها كممثل شرعي وحيد، فلسطينياً وعربياً ودولياً، أدى ذلك إلى أن يكون الرهان ضعيفاً على قدرة فلسطينيي مناطق 48 في تحقيق نتائج سياسية ووطنية لصالحهم، وتحول الرهان الى قدرة النضال الفلسطيني المتعدد الذي تقوده منظمة التحرير وفصائلها لان تكون هي القاعدة التي يمكن الاعتماد عليها في استعادة حقوق الشعب الفلسطيني .
انفجار يوم الأرض عام 1976، والمشاركة في الانتفاضة الثانية عام 2000، وسقوط الشهداء منهم ، ارتفع الوعي النوعي لدى فلسطينيي الداخل نحو أهمية دورهم وأنهم شركاء في النضال، بعد أن ثبت لكل مكون فلسطيني من المكونات الثلاثة: في مناطق 48، في مناطق 67، في المنافي والشتات، لكل منهم أدواته وأفعاله في مجرى الكفاح الفلسطيني متعدد الأشكال والأدوات، وقد انعكس ذلك على ولادة تنظيمات سياسية ذات طابع وطني وقومي وديني في مناطق 48 وأبرزهم: الحركة الإسلامية برئاسة عبدالله نمر درويش، الحزب الديمقراطي العربي برئاسة عبدالوهاب دراوشة، التجمع الوطني الديمقراطي برئاسة عزمي بشارة، الحركة العربية للتغيير برئاسة أحمد الطيبي، وباتت أبرز أدواتهم في العمل السياسي تنظيم الفلسطينيين ودفعهم نحو المشاركة في انتخابات الكنيست، وانتخابات المجالس المحلية، وظهر في هذه المرحلة تراجع نسبة التصويت الفلسطيني لصالح الأحزاب الصهيونية من 56% عام 1992، إلى 13% عام 2021.