من "البليط" الى "الشفيط" الاردن الى أين ؟
زهير العزه
مرة جديدة يبدو أن الفساد لم يعد مجرد ملف مالي بل وإداري أيضا بإمتياز.. وأصبح كرة نار تتنقل من مكان إلى مكان ومن مؤسسة الى أخرى، ومن شخصية الى رفيقتها على طريق الوظيفة ،وحتى من شركة الى شركات وهذا ما تم ويتم كشفه يوميا من خلال قرارات المحاكم أو من خلال هيئة النزاهة ومكافحة الفساد ، الامر الذي يشير الى أنه في حال إستمرارها ستحدث حريقا، ولن تحرق أصابع محدودة وحسب بل ستحرق البلاد بأكملها.
المواقف من معركة ملف مكافحة الفساد ماليا واداريا لا تقل قداسة عن معركة حماية الوطن من الاعداء، وهي معركة وطنية وليست معركة جماعة، والدولة يجب أن تعلنها حربا حتى آخر فاسد وآخر ملف في ظل حالة متردية كثر فيها الفاسدون وقل فيها الموقوفون أو المحاسبون ،وفي ظل الوضع الضاغط معيشيا على العائلات التي تحتسب كلفة الإفطار في كل صباح من أجل وجبة بسيطة تطعم الاطفال الذاهبين لمدارسهم وكذلك في ظل المزيد من التدهور الحياتي الموثق من خلال مواقع التواصل الاجتماعي بالصور والفيديوهات " في ظل غياب الاعلام الرسمي " حيث المشهد يكون مبكيا لأن الاردني لم يعتد في حياته على هذا الامر.. ! فالجوع لم يعد يطرق الابواب بل دخل البيوت واستحكم بها .
حالُ البلد وما وصلَ إليه يجعلُ المواطنينَ يدعونَ على المسؤولين لا لهم، لانهم يرون أن خروجُ الاردن مِن أزماته لا يكونُ بتغييرِ نهج العمل فحسْب بل بالعمل بصِدق ووفاء لاسترجاعِ مال الدولة المنهوب وسد مزاريب الهدر وإقفال باب المؤسسات أمام توظيفات المحاسيب، وكذلك العمل على حماية ما تبقى من مؤسسات وطنية من بعض الطامعين من القطاع الخاص الذين سرقوا جهد دولة بأكملها فأخذوا غالبية مؤسساتها الناجحة ودمروا المؤسسات الصاعدة وكل ذلك تحت عنوان الشراكة مع القطاع الخاص .
اليوم المواطن يسأل إذا كان الوضع الإقتصادي على شفير التوسل حتى لا نقول أكثر فما الداعي إلى منح كبار موظفي الدولة كل هذه الهبات من الاموال والقصور والفلل ؟ ولماذا تمنح الاراضي المملوكة للدولة " أي الشعب" الى هذا المسؤول او ذاك ؟ ولماذا يحصل أبناء كبار المسؤولين على منح دراسية خارج البلاد وبأكبر الجامعات العالمية وأعرقها مع ما تكلف خزينة الدولة ومؤسساتها من اموال طائلة ؟
ولماذا يتم إرسال المسؤولين وزوجاتهم وابنائهم للعلاج خارج البلاد فيما لا يجد الاردني سرير للعلاج في المستشفيات الحكومية ، اولا يجد إمكانية للحصول على صورة أشعة في أي مركز حكومي الا بعد ستة اشهر فاكثر، ولماذا يجد ابناء المسؤولين الوظيفة ويحرم منها أصحاب التعليم العالي من أبناء عامة الشعب؟
هل يعقل أن يحصل ابن رئيس وزراء أو ابنته أو ابنة رئيس الديوان الملكي وابن الوزيراو ابنته، او ابنة رئيس مجلس النواب على الوظائف فيما ينتظرغالبية الاردنيين دورهم في ديوان الخدمة والذي لا يأتي أحيانا كثيرة ؟ وهل من حق احد ان يوزع الشقق السكنية والفلل المشتراة من اموال الشعب على هذه " .. " او تلك لان هذا المسؤول او ذاك " يعزها " او في احسن الاحوال لها "مونه" عليه؟
إن فساد القاعدة في الوظائف العامة تعود لأن هذه القاعدة تنظر لممارسات الرأس في هذه الوزارة او تلك وهذه الدائرة او تلك او في هذا الجهازاو ذاك ..! وبالتالي فإن العلاج هو بمحاربة الفساد لدى بعض كبار المسؤولين وبإسترجاع كل ماحصل عليه هؤلاء المسؤولين وبمحاسبتهم عما ارتكبوه بحق الوطن والمواطن لا اكرامهم ومنحهم الاوسمة .. فكل مواطن يسأل ماهي القيمة المضافة التي قدمها هؤلاء حتى يتم منحهم القصور والهبات بملايين الدنانير؟ وماذا قدموا افضل من اي جندي على الحدود؟ وماذا قدموا اكثر من شهيد دفع دمه ثمنا ليبقى الاردن عزيزا مهابا ؟
انها أسئلة من الشارع ومن قلب وجع الناس الذين ينظرون للمسؤولين ويقولون الا يحرِّكُ ضمائركم نحيبُ الأمّ على ولدها الذي انتحر أمام ناظرَيها، لعجزه عن تأمين الحاجات الاساسية لعائلته ؟ اوليست هذه الميتةُ القاسية كافيةً حتى تقبضوا على الفاسد وتخرجونه من بينكم وتحاسبوه وتستردوا منه ما نهبه لأنه ملك للشعب؟الا يستحق الملايين من فقراء الوطن الذين وثِقوا بكم ان تصلحوا الخلل في الأداء السياسي والاقتصادي والمالي والاجتماعي، وان تعملوا ليل نهار، من اجل إيجاد ما يؤمن لكل مواطن عيشة كريمة؟ أوليس وقوف الآلاف من شبابنا أمام أبواب السفارات من اجل البحث عن لقمة عيش في بلد أخر، دافع لكم وحافزا من اجل التحرك لإيجاد الحلول المناسبة من أجل إنقاذ وطننا من الازمة الاقتصادية والخراب الاجتماعي؟
ندرك تماما أن بعض المسؤولين المعنيين بأحوال الناس منشغلين بإقتسام المغانم في وطن حولوه الى قطعة جبن ، اما سائر ملفات المواطن الملحة معيشيا، اما قضايا الوطن والمواطن فتتواصل مقاربتها الترقيعية ، في ضوء غياب الحلول الجذرية اللازمة، بسبب انهماك بعض المسؤولين بحسابات الزواريب وطموحات الحصول على قصر او فيلا ما بعد الاقالة أو الإحالة على التقاعد،او فتح الحسابات البنكية في كل جزر العالم المعروفة وغير المعروفة ، أما مشاكل البلاد والعباد فلتبقى عالقة في مربع المجهول من الحلول التي يبدوا انها لن تأتي ...!
إن المسؤول الذي يتلاعب بمقدرات الوطن وبما اؤتمن عليه من أموال الشعب عليه أن يدرك أن تسديد الخُطى للنهوض بالوطن والخروج من الازمات لا يكون بالتسبيح بحَمد المسؤولين والدعاء لهم... بل تنهض بالعدالة والحفاظ على الوطن من عبث السارقين والمتربصين بأمواله، كما تقوم على محاسبة الكبير قبل الصغير حتى لا نبقى نغرق" بحكاية" البليط ومن بعده "الشفيط" فيما يبقى الاردني يعاني ،فهل يحرك هذا التحذيرأي مسؤول؟ وهل يسبب هذا الوضع أي صدمة لدى أصحاب القرار ؟