لماذا لا يعتذر الغرب؟
الرئيس الفرنسي ماكرون في زيارته الاخيرة للجزائر رفض الاعتذار عن الجرائم الفرنسية، وارتكبت فرنسا في حقبة الاستعمار طوال 130 عاما فظائع ومجازر.
زيارة ماكرون كان عنوانها محو الماضي، ووقع ماكرون اتفاقيات اقتصادية وطاقة وغاز وبترول، ولكنه رفض الاعتذار، ورغم ان مفكرين وكتابا فرنسيين نصحوا ماكرون بالاعتذار لطي صفحة من تاريخ الاستعمار الاسود بين فرنسا والجزائر.
الجزائر ورث من الاستعمار الفرنسي مليون شهيد.. ومازال الجزائريون يحتفظون في ذاكرتهم بتراث مأساوي وكارثي، وقد جاء ذلك باسم الحضارة الغربية، ولكي يعلم الغرب شعوب الجنوب المتخلفة والهمج الحياة الجديدة والتحديث.
فرنسيا، مفكرون وفلاسفة طالبوا فرنسا بالاعتذار حول فظائع ومجازر ارتكبت بحق الجزائريين وشعوب افريقية واسيوية، وتقديم اعتذار للعالم عن حقبة الاستعمار.
الاستعمار ادانة جنوبية/ شرقية للحضارة والثقافة الغربية.. وفيما تحتفي اوروبا بالثقافة والفلسفة والشعر والفن، واقامة الديمقراطية والعدالة وقيم الوطنية الجديدة وما بعد الثورة الفرنسية، فانها خارج اراضيها تنكل بشعوب العالم.
العقل الغربي عنصري وفوقي، ومركزي.. بريطانيا احتلت الكرة الارضية، والامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وفي القارة الهندية استباحت لمئات الاعوام ملايين البشر، وانتجت عبودية ونظام الرق، واستعبادا اقتصاديا وسياسيا.
و في الشرق الاوسط، وتحت رعاية بريطانيا وفرنسا ولدت اسرائيل، وقسم المشرق العربي، ومنحت بريطانيا وفرنسا اراضي عربية الى دول اخرى، واجتزأت من سورية لواء الاسكندرون وقدمته هدية لتركيا، وفرنسا اجتزأت من المغرب جبل طارق ومازال تحت الوصاية البريطانية، ومن الامارات العربية اجتزأت جزر طنب الكبرى والصغرى قدمتها لايران.
مزقوا رقاع الجغرافيا العربية.. واشبه بعمل مسرحي، كفنوا العرب بالابيض، وقسموا بلادهم، ومنحوا اليهود الحق في اقامة دولة.. وليذهب الفلسطينيون الى الهلاك والموت.
في جنازة الملكة اليزابيث، وقد اهتم العالم بالمناسبة.. وامطار بريطانيا بالتعازي ودموع الحزن. نسي او تناسى العالم سجل بريطانيا الاستعماري الاسود في قارات اسيا وافريقا.
في الغرب ليس هتلر هو المجرم.. نعم، كان عنصريا، وقسم الشعوب الى اعراق راقية ومنحطة، وفرض على الشعوب الركوع. اوروبا المعاصرة نتاج الى استعمار وسرق ونهب وحرمان شعوب من حقوقها الحضارية والانسانية، وحقها في الحياة ايضا.
ولكي يبقى الغرب قويا، فبقية شعوب العالم الثالث وروسيا والصين يجب ان لا تتقدم وتنهض.. هي متلازمة عفنة في العقل الغربي.. انت عبد تبقى عبدا، والسيد هو الرجل الابيض.
و في القرن الحادي والعشرين، امريكا هي فحل الاستعمار العملاق.. تسيطر على الكرة الارضية، وتجوبها في قوات بحرية منتشرة في البحار والمحيطات والقارات الخمس.
و تصنع حروبا، وتديرها عن بعد، وتصنع حروبا بالوكالة، ودون ان يصاب امريكي برصاصة واحدة، وحولت دولا كثيرة مغضوبا عليها امريكيا الى ساحة حروب بالوكالة.
امريكا تسيطر على الكرة الارضية، ومن يقول لامريكا لا، فمصيره مجهول.. روسيا والصين تنازعان وتقاومان ارادة الرجل الابيض، وقالا : لا.. ويدفعان توابع موقفهما، حصارا وحروبا تجارية، وحروبا بالوكالة.
جمال عبدالناصر وصدام حسين دفعا مبكرا ثمن موقفيهما من امريكا وغطرستها السياسة والاقتصادية والعسكرية.. واستباحتها للعالم العربي وثرواته وخيراته وتاريخه وانسانه، ومصيره.
هذه هي امريكا.. وهذا العالم اليوم من نتاج امريكا، ومن نتاج الهمجية الامريكية، وثقافة ذات نزوع للسيطرة والاستحواذ على الكرة الارضية، ورأسمالية متوحشة وشرسة، ومطلوب من البشرية تقديم السمع والطاعة والانبهار بالنموذج والقوة الامريكية.
لست اعرف متى سوف يعتذر الغرب ؟ ولا اظن ان الغرب سوف يعتذر للعرب والعالم الثالث احتراما وشعورا بالذنب وتأنيب الضمير ! والاعتذار لا يأتي ما دام العربان يتهافتون وراء بركات الرجل الابيض.