النائب الرواشدة يكتب : اشباح و تماسيح ووحوش البطالة..
وجع البطالة والحديث المتجدد
ان الحديث عن موضوع البطالة لم يعد مجرد حديث صحافة او حكي (جرايد) كما يقال، ان الحديث عن البطالة بشكل علمي ومسؤول يقتضي الحديث عنها بثلاثة أوجه، الوجه الأول اشكال البطالة وصورها، والوجه الثاني اثار البطالة المرعبة، والوجه الثالث الأسباب والحلول.
اما عن اشكال البطالة، فلا يخفى على أحد انها تأخذ عدة صور يعلمها المهتمون بالشأن الإنساني والباحثين في مجال الإدارة والتشغيل، ولكننا هنا، معنيون بالبطالة الحقيقية التي تعني بكل بساطة عدم وجود قدرة على توفير مصدر للدخل للشخص واسرته، يعني الحرمان المطلق من أي مقوم من مقومات الحياة، مما يستتبع انقطاع أي مورد من موارد المعيشة اليومية، فتخيلوا معي شخصا بدون أي مورد وتغلق في وجهه سبل العيش والحياة، أي وضع نفسي سيشعر به، أي نقمة على الكون سيمر بها، أي احباط ومصير مجهول سيندفع اليه بلا حدود، فمن يصل لهذه المرحلة نتوقع ان يقوم باي فعل غير محسوب او محسوب، وتخيلوا معي أي مصير ينتظر هذه الفئة، واي نتائج كارثية ستتوقعها المجتمعات من هذه الفئة، واي طرق مظلمة ستقودهم الى اوكار الجريمة المختلفة، من سرقة ونصب واحتيال الى طرق المخدرات وغيرها والبحث عن مصدر للدخل باي ثمن وباي طريق لان الانسان اذا وصل حد الياس والحاجز المغلق سيرتكب افظع الجرائم للخروج من الازمة، فلا تحدثوه عن الصبر وهو في حالة جوع افقده الصبر والاحتمال، فلا وقت لديه للاستماع وقته مكرس للبحث عن حل يسكن جوعه وحرمانه.
ان الحديث عن البطالة يقودنا فورا الى البحث في الأسباب والحلول، لا يخفى على أحد ان أسباب البطالة بأشكالها المختلفة، ناتجة عن عجز القطاع العام عن توليد الوظائف ونكوصه عن مسؤوليته في التوظيف، على مدى أعوام عديدة، وترك ذلك للقطاع الخاص الذي لا يفكر الا في الأرباح وضغط النفقات، والاعتماد على العمالة الوافدة لأسباب أيضا بعضها اقتصادي وبعضها اجتماعي، والحكومات تتعامل مع الموضوع بنفس الحلول التي لم تؤدي الى نتيجة واضحة. وما زالت تدور الحلول في حلقة مفرغة، فلا التدريب المهني ولا تشجيع العمل البسيط ولا المساعدات المؤقتة للعاطلين عن العمل قادرة على ان تعالج الامر بجدية. لا بد من التفكير جديا بحلول عملية بعيدة عن التنظير وإعادة طرح نفس الحلول التقليدية، لا بد ان تتحمل الحكومة مسؤوليتها في التشغيل وان تتوسع في التوظيف وفتح فرص العمل، ولم يعد السكوت ممكنا على ازمة حملة الشهادات مثلا، فلا يعقل ان ندفع للجامعات بأعداد هائلة من الطلبة وفي كل موسم نشاهد قوافل الخريجين تضاف الى قوائم العاطلين عن العمل وخاصة في تخصصات لم يصل الامر لدينا حد الاشباع فيها، فهل يعقل اننا وصلنا الى حد الاشباع في تخصصات الطب والهندسة مثلا؟ والا لماذا نسمح بفتح جامعات جديدة ونرخص لتخصصات طبية بهذا الحجم؟ وهل يعقل ان ترك خريج كلية الهندسة يعمل في مهن لا تتناسب ابدا مع عدد سنوات الدراسة ولا بحجم الانفاق المالي عليها.
ان الحديث عن البطالة حديث طويل وممتد ومتجدد، وغول البطالة يلتقف عدد من خيرة شبابنا ويلقيهم في أحضان الجريمة، ومن ثم في غياهب السجون، فما يصرف على السجين لو تم صرفه لعاطل عن العمل قد يكون كافيا لإنقاذه من غول البطالة.
فعلى الدولة ان تتحمل مسؤوليتها ولا بد من التوسع في التوظيف فدفن الرؤوس في الرمال يفاقم الازمة، ولا ادل على ذلك من انتشار الجريمة وزيادة حالات الإدمان على المخدرات هذا بالإضافة الى زيادة اعداد محاولات الانتحار شبه اليومية، واعتصامات المتعطلين عن العمل اصبحت حدثا يوميا، والعدد غير المعقول من المتسولين، فمظاهر البطالة تتعدى الى ان يقف رب اسرة امام اطفاله عاجزا حزينا يائسا عن توفير ثمن رغيف خبز لهم او حتى مقومات الدفء في الشتاء، أي حال يمكن ان يصل اليه واي مصير سيقوده اليه هذا الإحساس؟
ازمة البطالة يا سادة ازمة اجتماعية تحتاج مسؤولية اجتماعية وحس انساني من القطاع العام والقطاع الخاص بعيدا عن التنظير وتكرار ثقافة العيب وان الشباب عازف عن العمل وفروا لهم الفرصة المعقولة بالأجر المعقول وحاسبوهم على رفضها. والا سنظل نكرر نفس الحديث الذي لا يطعم جائعا ولا يسكن قلق الاسر من مجهول المصير، ولن ينقذ المجتمع من اشكال الجريمة غير المعتادة في مجتمعنا.