الطهاة والمراسلين والجنود خط احمر يا (ابن بونابرت) ..

بقلم الإعلامي العميد المتقاعد هاشم المجالي .
في يوم من الأيام اتصل معي أحد الأصدقاء وطلب مني أن اتوسط له عند  بشير باشا المجالي (الذي كان وقتها أنذاك يشغل مديرا لشرطة العاصمة ) من أجل أن يلغي قرار نقله من رئيسا لمركزا  أمنيا إلى قسم الحركة و الآليات ، وعندما سألته عن سبب نقله ؛ أخبرني أن هناك  شكوى عليه من المراسل الخدماتي الذي يخدمه في المركز ، عندها استهجنت هذا السبب الذي يؤدي إلى نقل رئيس مركز أمني يحمل رتبة رائد بناء على شكوى  شرطي مدني مخصص لخدمته !
ذهبت إلى مكتب بشير باشا من أجل التوسط وكنت أعتقد أنه قد تكون  هناك أسباب أخرى عند بشير باشا غير هذا السبب الذي قيل لي ، وبعد أن جلست مع بشير باشا وسألته عن سبب النقل لصديقي ،  أخبرني بأن سبب النقل هو شكوى المراسل الخدماتي  عليه كونه لا يحسن معاملته ولا يحترمه ويثقل عليه  بالكلام  .
حقيقة أنني تفاجئت من الموقف واستهجنت قرار بشير باشا الذي أهتم بشكوى المراسل وأخذ عليها إجراء فوري وقوي بحق رائد يرأس مركز أمني مسؤول عن ما لا يقل عن 50.000 مواطن ليجعله مسؤولا عن آليات وسيارات فقط .
هنا تكمن الحكمة والخبرة وبُعد النظر عند القادة العظماء ذوي الخبرة ، حيث سألني بشير باشا عن أكثر الناس قربا لي في عملي وأكثرهم إطلاعا على حاجاتي الخاصة بغرفتي ، ومن هو الذي يخدمني بأكلي وشربي ومنامتي ونظافتها ونظافة مكتبي وكاسة الماء  والشاي وفنجان قهوتي  فأخبرته بأنه هو المراسل الخدماتي .
عندها  قال لي : هل تحبه و يحبك ويخدمك بمحبة بالإضافة إلى واجباته ،  فقلت له مؤكدا بنعم ، فسألني هل أعامله بسوء ام أنني  أعطف عليه وأعطيه وأحترمه  فقلت له : بالعكس يا باشا يعلم الله إنني أتعامل معه أخويا وأشعر به أحيانا اذا كان محتاجا  فأعطيه و أحل بعضا من مشكلاته المادية وأحيانا العائلية . 
عندها قال لي بشير باشا جملة  اعتبرتها نبراسا لي في خدمتي وتعاملت بها مع كل من هم بخدمتي واقل رتبة من رتبتي  ، قال لي الباشا :  يا هاشم  هؤلاء منعتهم ظروفهم المادية والاجتماعية من أن يكون مكانك بينما ظروفك أنت سمحت لك أن تكون في هذا الموقع ، ثم تابع وقال أنه  اذا كان رئيس المركز الأمني لم يستطيع أن يجعل مراسله يحبه وهو الذي يخدمه 24 ساعة في أكله وشربه ولبسه ومنامته فكيف سيستطيع أن يجعل المواطنين الذي يقطنون بإختصاصه يحبونه ويتعاونون معه  !!.
هذا رئيس المركز الأمني عاجز  عن تحقيق أول مبادئ العمل الأمني بالتواصل الإجتماعي مع زملائه  فكيف سينجح بالتواصل الإجتماعي مع المواطنين ، ولهذا نقلته لكي يتعامل مع الآليات والسيارات  لأنه فاقدا  للحس الإنساني .
 
عندها اقتنعت بأن الطاهي والمراسل والسايق  والغفير والجندي هم خط الدفاع الأول في نجاح أي عملية عسكرية أو أمنية،  فإذا أهملتهم ولم تؤخذهم بعين الإعتبار وتهتم بهم فإن الفشل سيكون حليفك  .

وأخيرا وليس أخرا  كيف لي أن أُفْهِم بعض الكتاب والصحفيين النابليونيين  الذي ينتقصون ويزدرون وظائف لزملاء لنا لا تقل أهميتهم عن أهمية اختيار القادة .
كيف لنا أن نذكرهم  بأثوابهم القديمة،  كيف لنا أن نذكرهم بأن والدينا كانوا ميكانيكيين و حراثين وفلاحين ومزارعين  ودكنجية وعسكر،  لكنهم كانوا وجهاء بين ربعهم وعظماء بكرامتهم  وشامخين  بعزتهم.

كيف لكم أن تنتقصوا منهم ومن المكارم التي منحت لأبنائهم وهم أول من يستهدفهم العدو فكان منهم الشهداء والمصابين والجرحى   .

يا عتبي ويا عيب الشوم عليكم .