في المرحلة الظلماء يُفتقد عبد الناصر

رشاد ابو داود
اليوم خطاب الزعيم. العرب، من المحيط الى الخليج، يرتبون وقتهم لكي لا يفوتهم ما سيقوله الرجل الذي التفت حوله الشعوب العربية واختلفت عليه الأنظمة. يلتفون حول اجهزة الراديو ذات البطارية الزرقاء الكبيرة ماركة «بيريك»، الجيران عند الجيران والشباب في المقاهي. كان الكل يشعر بالكبرياء والكرامة. يبث في نفوسهم الأمل، يقوي عزيمتهم، يذكرهم أنهم أبناء أمة عربية واحدة.
أيامها كانت الكرة الأرضية تقف على قرنين، الأميركي و السوفييتي. ولم يكن لأمة الا أن تتعامل مع الواقع الا بالوقوف مع أحدهما. الأول يستغل ثرواتها ويستبيح كرامتها ويمعن في اذلالها ليخضعها لمصالحه الخاصة، يقيم فيها القواعد العسكرية ليحميها ويحمي مصالحه.
الثاني، الروسي، هو أيضاً يعمل لمصالحه في معركته مع المعسكر الغربي والتي انسجمت مع مصالح الشعوب فنشأت العلاقات الخاصة لمصلحة الطرفين.
 في عهد عبد الناصر صدت مصرالعدوان الثلاثي وبنت السد العالي ووزعت الارض على الفلاحين وقضت على الاقطاع وفتحت الجامعات لكل المصريين والعرب وحتى للافارقة وأسهمت في حركة التحرر العالمية من المستعمرين واسست حركة عدم الانحياز مع الهند ويوغسلافيا ايام القادة الوطنيين العظام (عبد الناصر وانديرا غاندي و جوزيف بروز تيتو وكاسترو و جيفارا) اولئك الذين انحازوا لشعوبهم بكل ما اوتوا من وطنية.
كان رغيف العيش مغمساً بالكرامة، و بهية في كامل اناقتها، والعامل صاحب مصانع الحديد والصلب والقطن في ابهى بياضه. والاهم ان عبد الناصر رسخ عروبة مصر وانصهر الكل في « الجمهورية العربية المتحدة « لتأكيد هدف الوحدة العربية وعودة بالعرب الى ماضي مجدهم. لم تكن عودة لقشور الماضي بل الى الجذور وتحديثه على اسس سليمة.
الوطنية اهم من الديمقراطية –المسمومة- للشعوب. والانتماء لمصر و الامة العربية و الاسلامية و للشعوب المظلومة في العالم اهم بكثير من الانتماء لجماعة أو حزب او أي تيار يفرق ولا يجمع.
المستعمرون هم انفسهم مستعمرون. فقط اضافوا لادواتهم اسلحة اخرى، للاسف من داخل الدول والشعوب التي باتت رهينة لصندوق النقد الدولي وشركات الاحتكار والاستهلاك حتى تحول الانسان الى كائن استهلاكي لمنتجاتهم.
لم يكن ذنب عبد الناصر في هزيمة 1967 وهو لم يتخلَّ عن مسؤوليته واستقال.الشعوب غفرت له واعادته. فقد كان التآمر عليه استعمارياً صهيونياً لما يمثله مشروعه العربي. الأعداء تآمروا، أميركا لمواجهة الاتحاد السوفييتي، بريطانيا و فرنسا لمواجهة نتائج سايكس بيكو التي قسمت العرب الى «دول» زرعت بينها ألغاماً حدودية تفجرها كما تشاء و منعاً للوحدة العربية. والأهم حماية الكيان الاسرائيلي الذي زرعوه في بطن الوطن العربي.
قبل أيام مرت 48 سنة على وفاة جمال عبد الناصر. فمن يريد ان يعلم ماذا فعل الرجل في الفترة القصيرة التي قاد فيها الأمة، لينظر كيف هو حال الأمة الآن!