أمريكا.. معركة العقول والقلوب

حازم عياد
معضلة العقول والقلوب لم يكشفها الجنرال باتريوس المتقاعد من قيادة القوات الامريكية في افغانستان بالصدفة؛ اذ انها احد ابرز التفسيرات التي قدمها احد اعظم المنظرين الاستراتيجيين في الغرب المفكر العسكري ليدل هارت بريطاني الاصل.
ليدي هارت فسر خسارة بريطانيا لإمبراطوريتها ولنفوذها في مستعمراتها بالقول انها لم تتمكن من نشر قيمها الديمقراطية في مستعمراتها وفي ذات الوقت لم تتمكن من الحفاظ على وجودها العسكري؛ فالخسارة الاستراتيجية كانت خسارة القيم التي تمثلتها اي خسارة العقول والقلوب في آن واحد، فلا هي حافظت على مستعمراتها ولا هي حافظت على قيمها.
أغلب القادة العسكريين في الغرب تتلمذوا لنظريات ليدل هارت العسكرية التي تدرس في الاكاديميات الحربية؛ لذلك لم يكن ما طرحه باتريوس غريبا اذ درس نظريات هارت وكتبه ومقالاته كغيره من القادة العسكريين في الكليات الحربية؛ استراتيجية حاول تطبيقها في افغانستان بكسب العقول والقلوب؛ الا ان معركته لم تقتصر على الساحة الافغانية فالنفوذ الامريكي لا يقتصر على افغانستان.
باتريوس سرعان ما عبر عن احباطه الى جانب عدد من جنرالات امريكا في افغانستان؛ اذ قال بأن ما تقوم به اسرائيل من سياسات في فلسطين يؤثر سلبا على النفوذ الامريكي في العالم ومن ضمنها افغانستان؛ في الوقت الذي كان باتريوس يخوض معركته في افغانستان كانت معركة العقول والقلوب تدور رحاها على ارض فلسطين ويتفاعل معه الافغان والعامل الاسلامي برمته.
المشكل ذاته يتكرر الآن فأمريكا تخسر معركة العقول والقلوب في العالم العربي والاسلامي، فلا هي حافظت على القيم الديمقراطية ولا هي حافظت او صانت نفوذها؛ نقلت سفارتها الى القدس واستهدفت اللاجئين و»اونروا»، ودعمت السيادة الاسرائيلية على الجولان ودعمت خطة اليمين للسيطرة على الضفة الغربية؛ ودعمت فكرة الدولة اليهودية؛ خذلت الديمقراطيات الناهضة ودعمت المستبدين؛ راهنت على صراع المحاور بين ايران وتركيا والسعودية؛ ليقابله انقلابة في المحاور تركية ايرانية بل وتقارب مع الروس؛ اوهمت نفسها بأنها كسبت معركة القلوب والعقول لتكتشف انها تتحرك في نفس المربع وبشكل أسوأ؛ فخسرت 
نفوذها  وخسرت قيمها.
امريكا خسرت معركة القلوب والعقول في العالم؛ ليس فقط في العالم العربي والاسلامي اذ تعاني من العزلة؛ لم تبق شيئا من قوتها الناعمة وتراجعت فاعلية سياساتها الخارجية
في المحافل الدولية.
امريكا خسرت معركة القلوب والعقول على امتداد مساحة العالم العربي والاسلامي واحرجت حلفاءها واضعفت فاعليتهم في المنطقة؛ مشهد كان بالامكان تتبع فصوله في آخر اجتماع للجمعية العامة في الامم المتحدة الرابع والسبعين.