دعم عسكري جزائري لروسيا على شكل مناورات مشتركة قرب الحدود مع المغرب ...
بدأت كل من الجزائر وروسيا، يوم أمس الأربعاء، إجراء مناورات عسكرية مشتركة في منطقة بشار، جنوبي الجزائر، على بعد كيلومترات من الحدود المغربية تحت شعار "درع الصحراء 2022"، وتستمر حتى 28 من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، وتركز على عمليات مكافحة الإرهاب في منطقة الصحراء الكبرى، حسب ما أعلنته القيادتان، محاربة الإرهاب في منطقة الصحراء الكبرى.
وتأتي هذه المناورات بعد تلك التي نظمت في روسيا شهر شتنبر الماضي تحت إسم " فوستوك 2022".
وكانت القوات الخاصة الجزائرية قد شاركت في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2022 في تدريبات مشابهة في أوسيتيا الشمالية بمنطقة تارسكوي، حيث جرب 200 عسكري روسي وجزائري معدات وتقنيات حديثة لمحاربة الإرهاب بالمناطق الرعوية والجبلية.
تجدر الإشارة إلى أنه في مطلع الشهر الحالي، أياما قليلة قبل هذه المناورات، توجه ديمتري أفجينيفيتش شوغاييف، مدير القسم الفيدرالي للتعاون العسكري التقني الروسي إلى الجزائر مع وفد من كبار العسكريين الروس.
وتأتي هذه الزيارة في أعقاب قرار الرفع من الميزانية الجزائرية إلى ما يقارب 23 مليار دولار، الأمر الذي كان من شأنه أن يدفع السلطات العسكرية الروسية إلى التعبئة من أجل منح نفسها حصة كبيرة من عقود التسليح من الجزائر. ومن المرجح أن تستثمر موسكو هذه الأرباح في دعم مجهودها العسكري في الحرب على أوكرانية.
غير أن ما يثير الريبة في المناورات المعلن عنها، ويجعل مراقبين يعتبرونها موجهة ضد المغرب وحلفائه الغربيين، هو أنها كونها تداريبا ستنظم على مرمى حجر من التراب المغربي شرق المملكة، حيث لا تبعد سوى بـ 80 كيلومترا فقط عن الشريط الحدودي، في الوقت الذي كان من المفترض منطقيا أن تقام بمحاذاة مع الحدود الشمالية مثلا، أين تتشط الجماعات الإرهابية.
فقد سبق وأعلنت موسكو، في أبريل الماضي، أن المناورات سوف تعقد في ولاية "أدرار" في الجنوب الجزائري، ليتم بعد ذلك تغيير مكانها وتحويلها إلى قاعدة حماقير بين ولايتي "بشار" و"تندوف".
و يرى جل الخبراء والمراقبين الدوليين المختصين في مجال التسلح العسكري، أن مناورات بشار ليست سوى رسالة من موسكو إلى الغرب، تريد من خلالها البرهنة على قدرتها على الانتشار عسكريا بالقرب من العمق الترابي للمصالح الغربية في غرب البحر الأبيض المتوسط. كما أن اختيار هذه المنطقة بالذات يعتبر أمرا غريبا ومناقضا لما صرحت به المتحدثة باسم الشؤون الخارجية الروسية حيث قالت أن هذه المناورات المشتركة لا تستهدف أي دولة ثالثة!.
وعلى صعيد آخر، تسارعت وتيرة العلاقة القوية بين الجزائر وروسيا على المستوى الجيوسياسي بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مما يؤشر على موالاة الجزائر لروسيا في هذه الحرب بالرغم من الخطاب الجزائري الرسمي الداعي إلى عدم الانحياز والحياد.
وتعد الجزائر ثالث أكبر مستورد للسلاح الروسي في العالم، بعد الهند والصين. وتسعى الجزائر للاستفادة من علاقاتها الاستراتيجية مع موسكو لمواجهة منافسها التقليدي الرباط. ويلاحظ أن موافقة الجزائر على المشاركة في هذه المناورات مع روسيا في ظل الضغوط الغربية الراهنة ضد موسكو بسبب الحرب الأوكرانية، فضلا عن رفض الجزائر إدانة روسيا في الأمم المتحدة، يكشف عن سعي الجزائر للحصول على دعم موسكو لها في ملف الصحراء.
ويلاحظ أن تنامي العلاقات العسكرية بين روسيا والجزائر سوف يدعم مساعي الأخيرة للانضمام إلى مجموعة بريكس، من خلال الحصول على دعم موسكو في هذا الأمر. وكان الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، ألمح مؤخراً إلى أن بلاده تسعى للانضمام إلى مجموعة بريكس، مشيراً إلى أنها باتت تمثل بديلاً عن مراكز القوى السياسية والاقتصادية التقليدية.
وتعتبر موسكو الجزائر جبهة متقدمة في إستراتيجيتها للمواجهة العسكرية مع الغرب، والتي ستلجأ إليها لتزويدها بمجال لقوتها العسكرية الضاربة، حيث سيجعل ذلك من الحدود الجزائرية المغربية خط تماس بين منطقة التأثير الغربية وفضاء نفوذ القطب السوفييتي السابق.
هذا التوافق الواضح للجزائر مع المواقف الروسية يفرض على الدول الغربية مراجعة إستراتيجيتها وشراكاتها مع هذا النظام، الذي تتعارض مواقفه مع مصالح الغرب الجيوسياسية، حيث تستمر الجزائر في الاستفادة من الأرباح المالية لعقود الطاقة مع الدول الغربية بينما تواصل هي في تعزيز تعاونها العسكري مع موسكو في ظل الحرب ضد أوكرانيا والقطب الغربي.
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه سبق ل 27 برلمانيا أمريكيا، أن طلبوا في رسالة موجهة الى أنطوني بلينكين، سكرتير الدولة الأمريكي، باتخاذ إجراءات انتقامية ضد الجزائر بسبب تمويلها، من خلال عقود الأسلحة، لغزو روسيا للأراضي الأوكرانية.
وسيدفع هذا التقارب العملياتي الجزائري-الروسي لا محالة الدول الغربية الى مراجعة علاقاتها مع الجزائر، التي لعبت كذلك دور مهم في تسهيل التواجد العسكري الروسي في عدد من الدول الأفريقية.