م. خالد السمعاني يكتب : "القيادة الادارية الواعية" في مواجهة "المراهقة الادارية البالية " ...
كتب المهندس أبو الحارث خالد السمعاني الاداري المميز من على صفحته الشخصيةً على شبكة التواصل الاجتماعي (فيسبوك) رؤيته في الاساليب الادارية الواعية والفرق ما بينها وبين انظمة الفزعة المراهقة وكان لتحليله عمق واع وتحليل عميق لما يدور داخل الاروقة اذا كانت في القطاع العام او الخاص على حد سواء .
واليكم ما كتب السمعاني حرفيا :
جميع أنماط وأساليب الإدارة متفقة على مبدأ واحد وهو: تحقيق الأهداف المخطط لها بالاستخدام الأمثل للموارد المتاحة.
ومع ذلك فلا بد لنا أن نعترف أن الجانب الإنساني في الممارسة الإدارية له بالغ التأثير .. وأخص بالذكر هنا مبدأ « الفزعة».
هذه الكلمة ذات الطنين المميز في أذن المتلقي، والتي لها مفعول السحر في نفسه، فهي تستثيره لسرعة الإنجاز والتدخل السريع، « أبو الشباب حريقة ».
كلمة لها قدرة عجيبة على خلق الحماس لفك أعظم عقدة، وأقوى معضلة، وبالذات حين تسمع من يقول:" أبشر بالفزعة" كناية عن سرعة التفاعل.
هذا طبعاً على صعيد الحياة الاجتماعية، لكن هل يمكن توظيف هذه الكلمة في الإدارة والحياة العملية؟!
قد يتسرع البعض وينكر استعمالها في العملية الإدارية برمتها، وأنها أسلوب قديم انقرض مع الديناصورات، فالنظريات الإدارية المعاصرة اليوم لا تعترف إلا بوضع الاستراتيجيات والسياسات والخطط والهياكل التنظيمية التي تسعى لتحقيق هدف أو مجموعة أهداف.
حقيقة أنا شخصياً مع هذا التأصيل، وتجدني أميل إليه بشكل كبير لأنه نتاج العلم والعقل معا، لكني لا أنكر أنك كمدير قد تحتاج كلمة «الفزعة» و «أبو الفزعات» أحياناً، بل قد يكون هذا الانفعال المعنوي هو المخرج الوحيد لأزمة مفاجئة.
لكن متى تقع المصيبة؟
المصيبة تقع حين تصبح الإدارة بالفزعة هي الأسلوب الوحيد المتبع في المؤسسات !!
هنا يمكن القول: على تلك المؤسسات السلام.
فالفزعة والفزعات إن كانت أحيانا المخرج الوحيد من مأزق ما، فلا يمكن أن ننكر أنها رد فعل عشوائي غير مخطط له، وليس من المعقول والمقبول أن تصبح العشوائية هي القاعدة الأساسية في عمل أي مؤسسة تريد لنفسها النجاح والاستمرار في نجاحها.
نحن إن دققنا النظر بداية في كثير من الأزمات لوجدناها جاءت نتيجة غياب القاعدة التنظيمية للتخطيط. ومتى ما غابت هذه القاعدة الأصيلة فسنجد أن الأزمة ستنهي نفسها بنفسها وبالطريقة التي تختارها هي لا التي نختارها نحن !!
فهل يستوي رد فعل عشوائي مع رد فعل مخطط له؟ قطعا لا يستويان مثلا.
التخطيط الاستباقي موهبة إدارية لدى من يتمتع بحس مرهف تجاه البيئة التي يعيش فيها ويعلم طبيعة الأخطار التي تحيط به، فهو يدقق ويجمع المعلومات، ويتنبأ، ويضع السيناريوهات لأسوأ الاحتمالات، ولا ينتظر الأسوأ أن يقع ليلجأ إلى أسلوب «الفزعة»، ليبقى متنقلا من فزعة إلى أخرى، فهذا خلل واضح وكبير، والنتيجة لا يمكن أن نتنبأ بها.
وحتى اعتماد الفزعة كأسلوب وقاعدة لا ينجح -أحيانا كثيرة - على إخراج المؤسسة من الأزمة، وحتى لو نجحت مرات في ذلك فهي على الأقل تعكس النمط الإداري المتبع في تلك المؤسسة، ونوعية الإدارة السائدة.
نمط منظومة تفتقد الإطار الوقائي، ولا تعتمد الابتكار، ولا الحلول الجذرية، ولا وجود للطرق العلمية كالسيناريو والمحاكاة، وغاية ما ينشدونه حين تقع الواقعة تجاوز الأزمة أو التقليل من أخطارها على أقل تقدير، ثم العودة إلى تسيير الأعمال اليومية بانتظار ظهور أزمة جديدة.
وهذا طبعا سيوطن لاعتماد أرضية " أبو الفزعات ".
أود الإشارة هنا إلى ما تفرزه ظاهرة الفزعة الإدارية من شعور بالسعادة نتيجة حاجة القيادة في تلك اللحظة إليها.
ذلك الشعور الجميل الذي يخلق رابطة من نوع لطيف، كحال الطفل الذي يضربه والده عند خطأ ما ثم يبادر الأب لاسترضائه بهدية أو نحوه، فيشتاق الطفل كل فترة لهذا الشعور فيتحمل ألم الضرب ليعاين ذلك الشعور.
اعتماد أي قائد مؤسسة على الإدارة بالفزعة دليل واضح على نوعية البطانة من حوله.
كم استقال وزراء لم يكن لهم ذنب إلا أنهم دفعوا ثمن بناء مؤسسي غير سليم .. دخلوا كما خرجوا .. ودخل غيرهم وخرجوا أو سيخرجون هم أيضا والسؤال الذي سيبقى في الأذهان: لماذا خرجوا؟ وهل خرج الألم بخروجهم؟
القائد الذي يراد به النجاح مطالب بحسن اختيار الفريق من حوله، أو بلغة أخرى: (البطانة).
البطانة العالمة العاملة الصادقة.
فلب مشكلة القطاع العام: اختيار «البطانة الصالحة»، وليس «الشلة الفاسدة»، لأن القائد مهما كان نزيها، لن ينحج إلا إذا تيسر له معاونون صالحون، لا يبتغون إلا المصلحة العامة، وإعلاء الحق والضمير، والبعد عن المصالح الشخصية والهوى والضغائن والأحقاد، وليس شلل فاسدة تنصب شباكها لايقاعه بها، وتزين له الباطل بالزيف والخداع والنفاق، ويشهرون له محاسن الترغيب وفزاعات التخويف، وإذا ارتعش واستسلم، وقع فى شباك السيطرة الناعمة، والحل الوحيد هو اللجوء إلى أصحاب الكفاءة والوعي والخبرة، وأن يفتش عنهم ويستعين بهم، ليحمى نفسه من الوقوع فى الأخطاء.