التعليم العالي وسؤال المستقبل
د. زيد النوايسة
مرة أخرى يطرح السؤال المهم حول مستقبل سياسات التعليم في الأردن بشكل عام والتعليم العالي تحديداً خاصة بعد نتائج الثانوية العامة هذا العام، وهي بالمناسبة الأغرب في تاريخ هذا الامتحان الوطني الذي لا يمكن إنكار أنه اكتسب تاريخياً مصداقية وموثوقية على المستوى العربي والعالمي وانعكس ذلك على طبيعة المخرجات التي أثبتت حضورها وتميزها في مختلف الحقول والمجالات. ويعزى الفضل الكبير للتعليم المدرسي أولاً لأنه كان للتربية والتعليم استراتيجية ثابتة وواضحة وبعيدة عن المغامرة والتجريب الذي يتخذ من عنوان براق وهو التحديث ومواكبة كل ما هو عصري ولكن النتائج تثبت خلاف ذلك.
ارتفعت معدلات طلاب الثانوية العامة هذا العام وتوسع القبول في الجامعات الحكومية بشكل غير مسبوق بحيث استوعبت عن طريق القائمة الموحدة ما يتجاوز 52 ألف طالب وطالبة، وربما يزيد هذا الرقم إذا ما تم إضافة الذين قبلوا عن طريق البرنامج الموازي والمكرمات المختلفة ويبدو هنا الحديث والتساؤل مهماً عن مدى نجاعة استمرار العمل بنظام القبول الجامعي الموحد الذي يساوي بين كل الجامعات وهو نظام لم يعد معمولاً به عالمياً وتراجعت عنه العديد من الدول خاصة في ظل تزايد الحديث عن تكريس استقلالية الجامعات التي ما زالت تبحث عن هويتها الحقيقية إن كانت هي مراكز للبحث العلمي والتميز والمعرفة أو مراكز لاستيعاب حملة شهادات أكاديمية عليا باحثين عن فرص عمل لا أكثر ولا أقل بحيث يغدو الحديث عن التنافسية في البحث العلمي آخر سلم الأولويات لدى صناع القرار في التعليم العالي.
يضاف لكل هذا التوسع غير المدروس في إنشاء الجامعات مما يمثل مشكلة حقيقية بحيث أصبح لكل ثلاثمائة ألف مواطن جامعة، وتراجعت الجامعات نفسها نتيجة ضغوط المجتمعات المحلية ونفوذ ممثليها السياسيين عن الغايات والمبررات التي أنشئت من أجلها في الأصل وخاصة الجامعات التي أنشئت في الأطراف تحت عنوان تطوير التعليم التقني والمهني وبما يتناسب مع الاحتياجات المحلية والعربية والعالمية وبما يتواءم مع الاستراتيجية الوطنية للموارد البشرية لتتحول لنسخ طبق الأصل عن الجامعات الموجودة أصلاً فراكمت الخريجين في الحقول الأكاديمية والإنسانية تحديداً ليلتحقوا بركب الباحثين عن العمل الذين تجاوزت أعدادهم هذا العام ثلاثمائة ألف متقدم مسجل لدى ديوان الخدمة المدنية في الوقت الذي لا تستطيع فيه الحكومة استيعاب وفي قطاعات محددة كالتربية والتعليم والصحة مما يتراوح بين 10 آلاف الى 15 ألف فرصة عمل كأقصى حد.
هنا يبدو ضرورياً وملحاً السؤال مجدداً حول جدوى وجود استراتيجية وطنية واضحة للتعامل مع خريجي الجامعات الذين سيحملون شهادتهم ويتوجهون لسوق العمل المثقل أصلاً بمئات آلاف الباحثين عن فرص العمل خاصة في التخصصات الإنسانية التي ينتظر خريجوها عشرات السنين لينالوا فرصة عمل؛ وذلك بفعل حجم نسبة الملتحقين بالتعليم الجامعي الذين يشكلون 70% في الحقل الأكاديمي على حساب المهني والتقني.
كل هذا يجري في ظل وجود أزمة مالية تتفاقم وتواجه معظم الجامعات الحكومية ولا يوجد في الأفق أي ملامح لتجاوزها خاصة والمالية العامة للدولة منهكة وتعاني من مديونية غير مسبوقة.
علينا أن نعترف أن التعليم يعاني من أزمة ويحتاج وقفة حقيقية تتضمن منظومة إصلاح شاملة تكون قادرة على معالجة كل الاختلالات وهي أعمق من تغيير رؤساء مجالس الأمناء أو تغيير رؤساء الجامعات لأن القضية أبعد من الحسابات الشكلية والشخصية.