«الإضراب» مُنتهٍ... فهل نعالج أسبابه؟!

عوني الداوود
 
إضراب المعلمين، ومنذ اليوم الاول.. الجميع مدرك بأنه سينتهي.. إن ليس بالأمس فاليوم أو غدا...فهو ليس هدفا بل وسيلة أيّدها من أيّدها، وعارضها من عارضها، ومرت هذه الاسابيع من عمر الوطن والمعلم والطالب، وحتى من عمر الحكومة، وهي تستوجب وقفات طويلة لاستنباط الدروس والعبر في ما آلت اليه، وفي آليات ادارة الازمات والتعاطي معها.
ولكن أعتقد أنه من المهم جدا البحث في أسباب الاضراب «تحديدا»، والأزمة «عموما»، فاذا كان عنوان الاضراب زيادة الـ50 % فان عنوان الأزمة - بعيدًا عن المآلات التي حاول من حاول انتهاز الظرف واستغلال الازمة لتأويلات وتفسيرات وحتى تصفية حسابات ضد معلمين أو ضد الحكومة أو غيرهما، هي أبعد ما تكون عن مطالب معلمين عنوان أزمتهم: (الهمُّ المعيشي) !.
هذه الازمة فتحت ملفات عديدة في مقدمتها: «رواتب موظفي القطاع العام» تحديدًا... وحتى لا نخوض في متاهات رقمية وتحليلات، فإن المشهد العام يتلخص في الآتي:
- الاقتصاد الأردني بشكل عام يعاني من تباطؤ، ومن مديونية مرتفعة، وعجز في الموازنة، وتراجع في الايرادات، وتراجع في المنح والمساعدات.
- على الناحية الأخرى، هناك ارتفاع في نسبة البطالة التي وصلت نحو 20 %، وازدياد أعداد الخريجين سنة تلو الأخرى، وزيادة طلبات التوظيف لدى ديوان الخدمة المدنية، وقلة فرص العمل في الداخل والخارج.
- في المقابل ايضا هناك تسريح عمالة في القطاع الخاص، سواء في مصانع أو شركات، وتأخير في صرف الرواتب، وتعطل مشاريع اسكانية وعقارية واستثمارية.
- حتى ظاهرة زيادة الاقبال على «التقاعد المبكر» في القطاعين العام والخاص خلال السنوات القليلة الماضية سببه الرئيس، إما عدم انتظام الرواتب، او انقطاعها، او قلتها قياسًا براتب الضمان.
مشهد أزمة المعلمين حرّك الشارع لأسباب عديدة، نتحدث هنا عن أبرزها، وهو (الهّم المعيشي) الذي يطال الجميع فكان المعلم «أنموذجا» حفّز حتى الطبيب والمهندس وكل النقابات الأخرى التي باتت تتحسس هي الأخرى بحثا عن حلول لهمِّ أعضائها المعيشي.
أزمة المعلمين فتحت ملف التجاذبات ومقارنات في الرواتب - ليس بين القطاعين العام والخاص فهذه محسومة لدى كثيرين - ولكن بين موظفي القطاع العام أنفسهم.. بين موظف في وزارة وآخر في مؤسسة حكومية مستقلة، بنفس المؤهلات والخبرات والوصف الوظيفي، مع اختلاف كبير في الراتب والامتيازات!
الموضوع يطول شرحه، ولكن من المهم جدًا - ما دام قد فتح - وما دام قانون الخدمة المدنية الجديد على طاولة البحث، ودراسة علاوات النقابات قيد النقاش أيضا، فمن المهم جدًا أن يصار الى اعادة هيكلة رواتب القطاع العام بما ينصف جميع الموظفين، ويميز المجتهد والمنتج،.. وكل ذلك يحتاج الى ايرادات لن تأتي الا من خلال اقتصاد يركز على رفع معدلات النمو، وجذب استثمارات قادرة على خلق وظائف تشغّل الشباب الباحثين عن عمل.
دائرة ارتدادات الأزمة كبيرة جدًا، ولكن لتكن أزمة إضراب المعلمين نموذجا للخروج بحلول حالية ومستقبلية للهمِّ المعيشي للمواطن (وهو عنوان أزمات المنطقة والعالم) ولكن يبقى الأردن دائمًا قادرًا على استشراف وقراءة المتغيرات واستباق الأزمات بحلول توازن بين معظم المتطلبات وترضي الغالبية.