تداعيات استشهاد الشيخ خضر عدنان بين الباركنسون الفلسطيني والتحريض الإسرائيلي

لا شك بأن ما يجري اليوم في قطاع غزة هو من تداعيات استشهاد المرحوم الشيخ خضر عدنان الذي شكل ظاهرة يجب التوقف عندها ودراستها سواء عند دراسة نضالات الحركة الأسيرة بشكل عام، أو الاعتقال الإداري بشكل خاص. ولا شك بأن الشهيد خضر عدنان شكل نموذجا ً متميزا ً لفهم معنى الحرية والإصرار على دفع ثمنها حتى لو كان حياته. وكان شفافا ً وصادقا ً ولم يكن يناور أو يمثل ويعرف النتيجة التي يمكن أن يصل إليها، فلم يتردد في كتابة وصيته مسبقا ًقبل أن يسلم روحه لله.

وبنظرة الى الوراء أقول بأن الجميع أفرادا ً وجماعات كان مقصرا ً إزاء الشيخ الشهيد بنفس القدر من التقصير إزاء معاناة الأسرى بشكل عام، إذ أن الأغلبية الساحقة منا لا تعيش آلام الأسرى وآلام أسرهم. وواقع الأمر هو أن هناك شريحة من الناس تدفع الثمن الباهظ لمقاومة الاحتلال وهي الأقلية، وشريحة تمارس حياتها بشكل اعتيادي وكأن الشأن العام لا يعنيها وهي الأكثرية، مع الاستدراك بأن هناك شريحة تتدرج في الألوان بين الشريحتين.

فالإضراب، أي اضراب، سواء كان اضرابا ً فرديا أو جماعيا ًيجب أن تتوفر له وسائل الضغط على الرأي العام لكي يقوم الرأي العام بالتحرك والضغط على الجهة التي يجري الإضراب ضدها لإجبارها على تلبية مطالب المضربين. وفي حالة الشيخ عدنان لم نلاحظ أي تحرك حقيقي من قبل الرأي العام أو الفصيل الذي ينتمي إليه لنصرته أو الضغط لتلبية مطلبه.

المراهنة على الاسرائيليين

فقد اكتفى البعض بالاعتقاد بأن على إسرائيل أن تفهم بأنه اذا حصل سوء للشيخ عدنان فسيكون هناك رد فعل عنيف من قبل حركة الجهاد الإسلامي. وكأن هؤلاء كانوا يراهنون على أن الجانب الإسرائيلي لا يرغب بالتصعيد، وأنه سيتدارك الموقف ويُفرج عن الشيخ عدنان قبل أن يمسه سوء. وقد ثبت أن الذين راهنوا على الجانب الإسرائيلي أخطأوا التقدير ولم يأخذوا بالحسبان أن الذين هم اليوم في موقع اتخاذ القرار بإسرائيل هم من المتطرفين العنصريين الذين يتمنون الموت لكي أسير إن لم يكن لكل فلسطيني، وأنهم خلافا لما كان يحدث في المرات السابقة التي مارس فيها الشيخ هذا الأسلوب من الاحتجاج وانتزع حريته وهو في آخر رمق، لن يفرجوا عنه.

أما بعد أن استشهد الشيخ فقد كنا أمام خيارين، إما توظيف قضيته وشهادته وهو يمارس أرقى شكل من أشكال المقاومة السلمية بالإضراب عن الطعام، لشن حملة محلية ودولية واسعة النطاق ضد الاعتقالات الإدارية التي وصفها شموئيل تمير وزير العدل في أول حكومة شكلها مناحيم بيجن عام 1977 بأنها نموذج للقوانين النازية، وفضح وحشية الاحتلال الذي ألغى تطبيق هذه القوانين داخل إسرائيل وأبقى عليها في الأراضي المحتلة، والمطالبة بإلغائها، أو الرد العاطفي والاستجابة لتوقعات الشارع.

وللأسف فقد وجدت حركة الجهاد الإسلامي نفسها أمام سقف عال من توقعات الجمهور واضطرت ألا تُخيب هذه التوقعات فقامت بإطلاق رشقات من الصواريخ تجاه إسرائيل "للثأر" للشيخ الشهيد. ومع أن هذه الرشقات لم تحدث ضررا ً في إسرائيل أو إصابات في الأرواح إلا أنها شكلت قارب نجاة لنتنياهو الذي كانت حكومته تعاني من أزمة حقيقية ناتجة عن تعاظم حركة الاحتجاجات الشعبية ضد التغييرات القانونية التي تعتزم اجرائها، ومن حرد بن جبير وحزبه عوتسمه يهوديت عن جلسات الحكومة وعن التصويت بالكنيست، ومن تراجعها بحوالي سبعة مقاعد في استفتاءات الرأي العالم بسبب سوء أدائها، فبادرت لاغتيال ثلاثة من قادة الجهاد الإسلامي ودغدغت بذلك عواطف المتطرفين فعاد بن جبير للحظيرة وارتفعت أسهم نتنياهو من جديد، وبدأ التفاخر في الحديث عن استعادة قوة الردع الإسرائيلي مقابل الفلسطينيين.

وكأني بلسان حال الجهاد الإسلامي رغم محاولات إقناعه بضبط النفس وعدم الرد، يقول: " ٱلَّذِینَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُوا۟ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِیمَـٰانا وَقَالُوا۟ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِیلُ " سورة آل عمران 173 .

الدخول في حلقة مفرغة

فقد قامت حركة الجهاد بالرد انتقاما للشهيد عدنان ولمقتل قادتها ودخلت مع إسرائيل في حلقة مفرغة من الفعل ورد الفعل، كلما مضى عليها الوقت تآكلت منجزات إسرائيل وازدادت أزمة سكانها نتيجة الشلل الذي فرضته الهجمات الصاروخية عليها فأصبحت إسرائيل في مأزق لا يخرجها منه إلا التصعيد الأهوج، وهو الخيار الأرجح، أو الاستجابة للعقل والمنطق وكبح جماح متطرفيها وهو الأمر الأقل احتمالا.

وأما الجهاد فقد أثبت قدرتها على الصمود وامتصاص الضربات وتنامت فرص إمكانية توسع دائرة الصراع وانضمام أطراف أخرى إليها لا سيما ردا ً على أية حماقة يمكن أن ترتكبها إسرائيل بغية التعجيل في فرض وقف لإطلاق النار على الجهاد.

 ولا شك بأننا نقف في هذه الساعات على مفترق طرق هو الأخطر، فإما وقف لإطلاق النار والتزام إسرائيلي بمنع أية استفزازات في يوم مسيرة الاعلام يوم الخميس القادم، وإما التصعيد الذي تفتح أبوابه على كل الاحتمالات.

هذه هي المرة السابعة عشرة التي نشاهد فيها هذا الفيلم، وهي الدليل السابع عشر إن لم يكن المليون على أن القادة الإسرائيليين يقومون بنفس العمل ويتوقعون نتائج مختلفة ويفاجؤون بغبائهم على حسب قول أينشتاين. فقصف قطاع غزة أو حتى احتلاله لن يأت بالأمن للإسرائيليين، فهو قد يحقق بعض الهدوء لبعض الوقت ولكن سرعان ما ستلحقه جولة جديدة من القتال طالما أن الاحتلال ما زال قائما وطالما أن هناك عناصر يمينية بإسرائيل تسعى لتكريس الاحتلال والاستيطان وتتمادى في اعتداءاتها على المسجد الأقصى والمقدسات المسيحية والإسلامية.

الصورة قاتمة على الجانبين. فعلى الجانب الفلسطيني أبسط ما يقال في الأمر بأنه "طاسه وضايعه"، أو أننا نعيش في "حارة كل من إيده إله".

الباركنسون الفلسطيني ..."طاسه وضايعه"

لا توجد قيادة واحدة للشعب الفلسطيني، بل إن الجسم السياسي الفلسطيني مصاب بالباركنسون وكل عضو يهتز ويعمل لمفرده. وغياب القيادة الواحدة والجسم المنسجم مع نفسه والمنضبط في حركاته يؤدي الى غياب استراتيجية وطنية وعمل واحد مما يجعل كل عضو قادر على ارباك أو إيذاء الأعضاء الأخرى أو تعريضها للمخاطر غير المحسوبة دون أن تكون لها حيلة أو رأي.

وأما على الجانب الإسرائيلي فإن هناك حكومة خاضعة لسيطرة شخص له برنامجه الشخصي للإفلات من قبضة القضاء، وهي رهينة بيد اليمين المتطرف وتخضع للابتزاز من طرفه وتفتقر للقدرة على القيام بأية مبادرة سياسية تُخرجها من دوامة الفعل ورد الفعل.

ولو افترضنا أن إسرائيل ستنجح في اغتيال عدد من قيادات المقاومة وقتل عشرات أو ربما مئات المواطنين الفلسطينيين العزل من السلاح وتدمير عشرات بل مئات المنازل ولكنها لن تستطيع كسر إرادة الشعب الفلسطيني.

إن التوصل لأي اتفاق لوقف اطلاق النار إن لم يكن في اطار مبادرة سياسية لإنهاء الاحتلال فإنه سيكون مجرد وقف مؤقت ستعود بعده الأمور للانفجار وبشكل أعنف مما كان.

المخرج الوحيد من هذه الدوامة هو اعتراف إسرائيل بفشلها في انهاء الصراع بالقوة، والقيام بمبادرة سياسية تقوم على أساس الإقرار بحق الشعب الفلسطيني في الحرية وتقرير المصير والدخول معه في عملية سياسية لإنهاء الاحتلال من خلال آلية دولية محايدة تعترف بحقوقه وتؤمن بأن السلام لا يتحقق إلا بالمساواة والعدل وإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف أو المساومة. وبدون ذلك سنظل نخرج من جولة لنتوقف وننتظر الجولة القادمة.

abuzayyadz@gmail.com