النائب ماجد الرواشدة يكتب : حزيران والنكسة المستمرة..
يطل حزيران منذ ما يزيد على خمسين عاما ونحن نستذكر ذلك المشهد الحزين لما اصطلح على تسميته بالنكسة عام 1967 وتخريجا سياسيا ملطفا لما كان يسمى النكبة منذ عام 1948، وبالرغم من تلطيف المصطلح، الا ان النتيجة كانت مما يدمي القلب ويفتح جروحا عميقة ما زالت محفورة في ذاكرة ووجدان أجيال عايشت سلسلة الهزائم امام المد الصهيوني، وكانت النتيجة المباشرة لها ضياع ارض عربية إسلامية وامتداد رقعة الكيان الصهيوني متجاوزا حدود ما يعرف بفلسطين التاريخية ليصل الى دول عربية أخرى مصر وسوريا ولبنان، وأصبح الجيش الصهيوني واقعا معاشا امام سمع وبصر امة تمتد من الصين شرقا وحتى المحيط الأطلسي غربا، وكان للنكبة الكبرى و ما تمت تسميته بنكسة حزيران، نتائج كارثية لم يستطع العالم حتى الساعة من معالجة اثارها الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكان من اهم نتائجها المباشرة ضياع الهوية الفلسطينية وحرمان الشعب الفلسطيني من أي انتماء سياسي والمتمثل بالجنسية، حتى ان اغلبهم لا يحمل جنسية أي دولة وانما وثائق سفر تمنحها دول اللجوء لغايات تسهيل التحرك والسفر للبحث عن فرص للعمل، تحول المجتمع الفلسطيني الى تجمعات سكنية بظروف صعبة جدا وهو ما يعرف بمخيمات اللجوء او مخيمات الطوارئ، وفقد الفلسطيني احساسه بالإقامة المستقرة وعاش متنقلا عبر الحدود لا يعرف له مقرا او مستقرا في الأرض، وكان من نتائجها ان اصبح هذا الشعب العريق شتاتا في اصقاع الأرض يحلم بالعودة الى مدنه وقراه التي فقدت حتى الأسماء العربية وضاعت معالمها تحت مسميات عبرية لتصبح بعد أجيال لا يمكن الاستدلال عليها من قبل الأجيال الجديدة التي ولدت بعد النكبة او النكسة، وعلى الصعيد الاقتصادي فقد الفلسطيني مصدر رزقه ودخله واصبح يعتاش على مساعدات اممية جعلته في حالة قلق مستمر على مصيره ومصير الأبناء من زيادة حالات الفقر وجعلته تحت رحمة الدول المانحة للمساعدات، وحرمانه من وجود عملة خاصة به واصبح يتعامل حتى داخل حدود اقامته في فلسطين بعملات متعددة، وكان التعليم أيضا محلا للضياع وحرمان الفلسطيني من ان يكون له مناهج تعبر عن ثقافته وتشكل وعيه وتستمد أصولها من مبادئه وعقائده وتعرض لتاريخه بشكل يمثل هذا التاريخ الضارب في الجذور وقبل وجود الكيان الصهيوني ويفند ادعاءات يهود بانهم اصحاب حق شرعي في فلسطين، ولم يكن هناك نظام تعليمي موحد ومناهج واحدة يدرسها الطلبة في مدارسهم وانما مناهج متعددة حسب امكان اللجوء والشتات، وبعد سنوات من الاحتلال ورغم كل القرارات الدولية ورغم كل التقارب والبحث عن فرصة للسلام مع هذا الكيان العنصري الغاصب، الا انه ما زال موغلا في عدوانه على الأرض وابتلع ويبتلع يوميا مساحات من الأرض على شكل مستلبات او ما يسمى مستوطنات ليصادر حق الانسان الفلسطيني في ارضه الموروثة عبر أجيال والتي تؤيدها سجلات تؤكد حق ملكيته لها، وبدد هذا الكيان أي امل في وجود نظام سياسي للشعب الفلسطيني منكرا وجوده محاربا لأي فكرة يمكن ان تبرز هويته المستقلة وحقه في تقرير مصيره وفقا لقرارات الشرعية الدولية، مستغلا تفرق الامة وتشتتها ومستغلا دعم قوى اجنبية وحماية مواقفه العنصرية تحت مبررات متعددة، فكان الدعم اللامتناهي بالمال والسلاح، وتشجيع الهجرة الى فلسطين التاريخية وخلق واقع ديموغرافي يمكن اليهود من السيطرة على القرار وفرض الامر الواقع، وشكل غياب الدعم المباشر للشعب الفلسطيني المناضل حالة مستمرة ومتجددة من الهزيمة وما زال شلال الدم مستمرا لم يتوقف من الثورات الأولى في بداية القرن العشرين وحتى اليوم لأنه هو الشمعة الضئيلة التي تبعث الامل في النفوس باستمرار مواجهة الكيان العنصري وعدم إعطائه الشعور بالأمان او إعطائه إحساس بان هذا الشعب قد وصل حد اليأس.
وعلى هامش النكسة تطالعنا الاخبار بين الفينة والأخرى بأفكار صهيونية تدعي وجود حق تاريخي في الأماكن المقدسة، وكان أولها تقسيم الحرم الابراهيمي في الخليل مكانيا، والادعاء بيهودية إبراهيم عليه السلام، رغم تكذيب القران الكريم لهم بقوله تعالى، عن إبراهيم، "وهل انزلت التوراة الا من بعده" وامتد كيدهم الى المسجد الأقصى والادعاء بوجوده على انقاضا ما يسمى بهيكل سليمان، ورغم تكذيب التاريخ والواقع، وفشل كل الحفريات الهائلة في محيطه، في اثبات وجود أي أثر لهذا الهيكل المزعوم، ما زال هناك إصرار عل تقسيمه مكانيا وزمانيا، والعمل على اصدا قانون يشرعن هذه الادعاءات، واصبح مشهد الاقتحامات والاحتكاك والاستفزاز للمصلين في المسجد الأقصى مشهدا يوميا، ويمارس الصهاينة ضغوطا كبيرة على المجتمع الدولي للاعتراف بحقهم في المسجد الأقصى ورفع الوصاية الهاشمية عنه، وامام هذا الهجوم هناك واجب قومي وواجب أخلاقي وواجب ديني يفرض المواجهة والتصدي وافشال هذه المخططات، واصبح من الضروري دعم الموقف الأردني وتعزيز صمود الشعب الفلسطيني في مواجهة المخططات العنصرية بكل الحزم، واصبح من الضروري استعادة حالة العداء مع هذا الكيان الذي تمتد اطماعه الى ما هو ابعد من حدود فلسطين التاريخية، فبعد تهويد كامل فلسطين، يرفض الاعتراف بالسيادة على الجولان مثلا وبعض المناطق في لبنان، وعينه على تهجير الشعب الفلسطيني بالكامل والاعتراف له بيهودية الدولية، ويخلق واقعا جديدا من الفصل العنصري للضغط على السكان الأصليين ودفعهم للهجرة.
فالخطر كبير وداهم، والواقع مرعب، ومطلوب اليقظة والانتباه، فنحن امام عدو لديه الاستعداد لقلب كل المفاهيم والقدرة على التزوير مدعوما بكل الإمكانيات الإعلامية والمدعومة ماليا وسياسيا من جهات متعددة على مستوى العالم، ودعم لا محدود من الاستعمار القديم، ولكن شواهد التاريخ تقول ان المستعمر لا يمكنه الشعور بالاستقرار، وانه الى زوال ولو بعد حين، فالصبر والنضال ومقامة المحتل بكل الصور هي طريق الخلاص وان غدا لناظره قريب.