حكومة الرزاز اقترضت أكثر من الملقي
تكشف أحدث الأرقام الرسمية أن نهج حكومة عمر الرزاز في التعامل مع ملف الدين العام لم تتغير مقارنة بالحكومة السابقة، فالشهية بقيت مفتوحة للحصول على المزيد من القروض لسد عجز الموازنة.
وأسفر نهج الحكومة في الاعتماد على القروض إلى ارتفاع الدين العام بمقدار 1.578 مليار دينار منذ توليها مهامها منتصف العام الماضي حتى بداية شهر آب 2019؛ أي خلال ثلاثة عشر شهرا فقط، وفق تقرير نشرته يومية الغد.
حكومة الرزاز تخطت حكومة هاني الملقي؛ لأن الأخيرة استدانت 1.503 مليار دينار في آخر ثلاثة عشر شهرا من عمرها؛ أي أقل بمقدار 75 مليون دينار من الحكومة الحالية.
وبلغة أكثر بساطة، فإن حكومة الملقي كانت تستدين 3.85 مليون دينار يوميا في آخر ثلاثة عشر شهرا من عمرها، بينما أصبحت حكومة الرزاز تستدين 4.04 مليون دينار يوميا.
ظاهرة توحش الدين العام الذي بلغ 29.5 مليار دينار، يحذر منها خبراء، لا سيما إذا استمرت الحكومة بالتعامل مع الملف وكأنه لا يمثل مصدر خطر على الاقتصاد الوطني، لأن تضخم الدين العام، بحسب مراقبين، سيضطر الحكومة لتوجيه قدر أكبر من الأموال لسداد الديون بدلا من توجيهها لأوجه التنمية والمشاريع الرأسمالية.
حتى أن حكومة الرزاز تأخرت عن حكومة الملقي ضمن مؤشر عجز الموازنة إذا ارتفع العجز خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي إلى 738 مليون دينار مقارنة مع 658 مليون دينار في أول سبعة أشهر من العام 2018 (حينما كان الملقي رئيسا للحكومة).
ويطرح خبراء تساؤلا ما إذا كانت حكومة الرزاز التي وعدت بتحقيق "النهضة” قادرة على تحقيق هدفها في ظل هذين المؤشرين اللذين يصعب السيطرة عليهما إذا استمرا بالارتفاع.
ويستغرب خبراء من استمرار لجوء الحكومة للقروض لتغطية النفقات الجارية وتقليص عجز الموازنة رغم أنها فرضت ضرائب ورسوما جمركية كثيرة منذ توليها زمام الأمور، لكن بدون فائدة.
وزير التخطيط الأسبق د.تيسير الصمادي، يقول "إن عدم تحقيق هذه الحكومة أي إنجاز اقتصادي، بل وازدياد الوضع سوءا، هما نتيجة استمرارها على النهج الجبائي نفسه الذي اعتمدته الحكومة السابقة”.
ويبين الصمادي أن اعتقاد الحكومة بأن فرض الضرائب والرسوم سيحقق لها إيرادات أكبر، فهي مخطئة لأن ذلك أدى لسحب السيولة من السوق وأثر على الطلب العام الاستثماري والاستهلاكي.
وأوضح أن انكماش القاعدة الضريبية نتيجة تراجع الإيرادات الضريبية عن المقدر في الموازنة سبب في لجوء الحكومة إلى البحث عن بدائل لتغطية العجز في الإيرادات، وهما الاستدانة وتخفيض الإنفاق الرأسمالي.
ورأى الصمادي أن الحكومة فشلت أيضا في برنامجها مع صندوق النقد الذي كان هدفه تخفيض الدين العام وتقليل عجز الموازنة؛ أي أنها زادت العبء على المواطن وفي المقابل لم يتحقق الهدف.
وأكد أنه يجب إعادة النظر في هذه السياسات التي أثبتت فشلها، مشيرا إلى ضرورة تغيير تلك السياسات بالتركيز على كفاءة الإنفاق، وتخفيض الضرائب.
وتطرق الصمادي إلى طريقة الحكومة في حساب نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، مشيرا إلى أنها غير صحيحة كون الحكومة تحسبها إلى معدل نمو اسمي مقدر بنسبة أعلى.
وبين أن نسبة إجمالي الدين العام إلى الناتج المحلي حتى النصف الأول تتعدى 96 % وليس كما تقول الحكومة إنها تبلغ حوالي 94 %.
ويشار إلى أن الحكومة أعلنت أن نسبة الدين العام للناتج المحلي الاجمالي بلغت 94.4 % في نهاية شهر تموز الماضي.
وبدوره، قال الخبير المالي محمد البشير "إن المقصود بالنهج الاقتصادي هو السياسات المالية المرتبطة بالمالية العامة من نفقات وإيرادات، والسياسات الاقتصادية المرتبطة باقتصاد السوق، والسياسات النقدية المسؤول عنها البنك المركزي”.
وأضاف البشير "أن تلك السياسات كلها تربطها التشريعات، وبالتالي نرى الحكومة الحالية استمرت على تلك السياسات التي لم تكن في الاتجاه السليم”.
وأوضح أن الحكومة استمرت في الاعتماد على تغذية نفقاتها من فرض الضرائب، ولكن عدم جدوى تلك السياسة اضطرها إلى الاستدانة وبالتالي استمرار ارتفاع الدين.
وأضاف "أن تركيز الحكومة على الضرائب غير المباشرة (المبيعات) أدى إلى انكماش اقتصادي، وبالتالي فهي لم تحفز الاقتصاد بل تراجع الطلب العام وارتفعت تكاليف الإنتاج وأدى إلى تراجع الإنتاجية بشكل عام في الاقتصاد”.
ويرى البشير أن الحل هو أن تعود الحكومة بشكل تدريجي للضرائب المباشرة (الدخل والأرباح) بالتزامن مع تخفيض الضرائب غير المباشرة على السلع والخدمات الأساسية، ورفعها على السلع والخدمات الرفاهية.
وبدوره، اتفق الخبير المالي مفلح عقل مع سابقيه، مؤكدا أن إجمالي الدين العام منذ تسلم الحكومة الحالية لم يزد كرقم مطلق فقط، بل زاد كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، مشيرا إلى أنه أصبح يتجاوز 96 %.
واتفق عقل مع سابقيه أيضا حول سياسة الحكومة في فرض الضرائب والرسوم التي فشلت في تحقيق هدفها نتيجة تراجع الطلب العام وسط ضعف القوة الشرائية للمواطنين.
وأكد أن الحكومة لم تستطع التغيير للأحسن، بل تراجع النشاط الاقتصادي بشكل عام.
وشدد على ضرورة تغيير النهج الذي يضم سياسات مالية واقتصادية ونقدية أكثر جدوى في تحفيز النمو.