"أوراق اقتصادية على طريق الحرير" للدكتور علي بن غانم الهاجري كتاب إصدار دار فضاءات للنشر والتوزيع-عمان- ٢٠٢٢

سليم النجار 
سنكتشف ونحن في نهايات الربع الأول من القرن الحادي والعشرين، أنّنا في أمسّ الحاجة إلى إعادة طرح الأسئلة من جديد، إلى حل لأعقد مشاكلنا، أهمها مشكلة الطاقة، والتي لم تعد مسؤولية جهة محدّدة، بل تساهم فيها دول العالم، لا يشير أداء بعض القوى العالمية إلى وعي حقيقي بخطورة المسألة، والتي تتفرّع عنها كل مشاكلنا، وفي اللحظة التي نعرف فيها -بصدق- لماذا الطاقة؟، وما الذي ننتظره من هذا المنتج؟، في هذه الحالة يتم وضع برنامج قابل للتحقّق، حقيقي ويهدف إلى غاية حقيقية، بعيدًا عن هذه الشعارات التي نحيا بها. 
إنّ كتاب "أوراق اقتصادية على طريق الحرير" للكاتب القطري الدكتور علي بن غانم الهاجري يطرح قضية هامة ألا وهي دور الصين في ذلك، القوّة الصاعدة في العالم. 
يفتتح الهاجري كتابه بتعريف تاريخي عن دور الإنسان الصيني بين الإبداع الحضاري والارتقاء الاقتصادي (قراءة اقتصادية)، حيث ورد: 
"يُعد طريق الحرير الطريق التجاري الأكثر شُهرة في العالم القديم، وواحدًا من أهم الركائز الرئيسة والمهمة التي اعتمدت عليها الصين في بناء حضارتها القديمة في مختلف مراسلها". 
في هذا السياق، نقرأ كتاب الهاجري الذي يطرح بحرارة وصدق تصوّراته حول أهمية طريق الحرير، "لقد عزّز طريق الحرير من قوة الصين وسيطرتها التجارية، حيث ازدادت ثرواتها ومخزونها من الذهب، كما نشطت وازدهرت حركة التجارة في العديد من الدول على طريق الحرير، نتيجة التفاعل مع الصين". 
هذا المعطى الذي طرحه الكاتب في توضيح أهمية طريق الحرير، يجسّد بالنسبة للقارئ البُعد العلمي في معرفة التاريخ وكيفية كتابته وتوظيفه في التعريف لأهمية التاريخ، يُضاف إلى ذلك، الحكمة العملية التي تتزاوج بشكل تلقائي مع الحكمة النظرية التي نال الدكتور الهاجري نصيبًا وفيرًا منها، "تاريخيًا يشير طريق الحرير إلى مجموعة من الطرق البريّة التي كانت تربط منطقة شرق آسيا بالبحر المتوسط، مرورًا بمنطقة وسط أسيا، وقد كان يبلغ طوله أكثر من ٩٠٠٠ كم تقريباً". 
أؤكّد على أنّ الهاجري وضع كاشف تاريخي لأهمية طريق الحرير ودوره في التلاقي الثقافي والحضاري، وربّما  كان هذا وضعًا تاريخيًّا مرّت به ثقافات كثيرة، وكان لكل منها منهج للتلاقح الثقافي، حيث أوضح الهاجري في كتابه: 
"إنّ النتاج الأكبر الذي خلّفه طريق الحرير يتمثل في تلاقي الثقافات والشعوب وتلاقحها الثقافي، حيث كان التُجار يتعلّمون لغات وعادات وتقاليد الشعوب التي يسافرون إليها كي ينجوا في عقد مفاوضتهم، لذا كان التفاعل الثقافي مكسبَّا إلى جانب التبادلات المادية".
لقد اتّسعت مجالات البحث والدراسة في علم الأنثروبولوجيا، الذي يعتبر علم جديد، وتداخلت موضوعاته مع موضوعات بعض العلوم الأخرى، ولا سيّما علوم الأحياء والاجتماع والفلسفة، والدكتور الهاجري استفاد من هذا العلم، عندما وظّفه في بناء رؤيته حول دور طريق الحرير، "تسعى الصين اليوم إلى إعادة فتح طريق الحرير مؤكّدة على أهمية وفعالية هذا الطريق الاقتصادي ودوره في صناعة التاريخ البشري، لذا تعمل الصين على إعادة فعاليته، وضخ الدماء ونفخ الروح فيه، وتدشينه من جديد".
 
كما تعدّدت مناهج الكاتب النظريّة والتطبيقية، تبعًا لتعدّد تخصّصاته ومجالاته، ولا سيّما في المرحلة الأخيرة حيث التغيرات الكبيرة والمتسارعة، التي كان لها أثار واضحة في حياة البشر كأفراد ومجتمعات، والهاجري لم يفوّت هذه الفرصة في الاستفادة من هذا المنهج الأنثروبولوجي لتعزيز رؤيته، حيث ورد:
"تعد سياسة الإصلاح والانفتاح الصينية أكبر ابتكار في العالم، والحزام والطريق هي استراتيجية الانفتاح الشامل، وهي تشكّل الآن نظرية الممر الاقتصادي، والنظرية الاقتصادية، ونظرية التعاون الدولي في القرن ٢١ وغيرها من نظريات الابتكار لتجديد نظرية التنمية الاقتصادية ونظرية التعاون الإقليمي ونظرية العولمة". 
وأشار الهاجري إلى قضية هامة وحساسة، قضية الهيمنة، فالنظام الاجتماعي عند مجتمعاتنا المعاصرة يعيش آفة الهيمنة، وله تأثير انتقائي، إذ يحاول قبول نماذج لا تنسجم مع النسق الاجتماعي والثقافي القائم في المجتمعات الرافضة لفكرة الهيمنة، الأمر الذي رفضته الصين شكلًا ومضمونًا، حيث ورد:
"تعارض الصين سياسة الهيمنة، وتعمل على صيانة السلام العالمي، وترى أن أي دولة سواء كانت كبيرة أو صغيرة، قوية أو ضعيفة، غنية أو فقيرة، تعتبر عضوًا من أعضاء المجتمع الدولي على قدم المساواة مع سائر الدول الأخرى". 
ولكن هل يعني هذا التخلّي عن محاولات إعادة تركيب الاحتكاك التاريخي بين الشعوب الباحثة عن مكان متميز فى العالم، كما فعلت قطر، والتي سعت وبذلت مجهودًا في بناء علاقات متميّزة مع الصين، كما بيّن الهاجري:
"وعلاوة على ذلك، فدولة قطر ترتبط بعلاقات مميزة وعميقة وإستراتيجية مع جمهورية الصين الشعبية صاحبة مشروع المبادرة والتي من أبرز محطاتها أن قطر تعتبر أكبر مورد للغاز الطبيعي للصين الشعبية". 
إنّ نشوء هذا الاتجاه القطري يعتبر رد فعل على فكرة الهيمنة، وقد تميز هذا الاتجاه الإيجابي كما أوضح الهاجري على أنّه اتجاه بنائي يخدم الإنسانية بعيدًا عن نظرية الهمينة، "وليس من قبيل المفاجأة أن تتجه الصين إلى قطر، خصوصًا بالنظر إلى إطلاق مبادرة الحزام والطريق، فرغم ريادة المبادرات الصينية، من المستحيل أن تضطلع بكين بكل شيء بمفردها، فهي بحاجة للإسهامات والمشاركات الدولية، ومن الطبيعي أن تتوجّه الصين إلى قطر كي تقوم بدور محوري". 
وأوضح الدكتور علي بن غانم الهاجري في كتابه، أنّه لا سبيل لنهوض الأفارقة إلّا بعمل التحرير والتخلّص من الهيمنة، والتطوير الفعّال، وهذا أمر ملحّ كما ذكر الهاجري في الوقت الحاضر، "مثّلت مبادرة الحزام والطريق محطة فارقة في تاريخ العلاقات الصينية الإفريقية، ذلك أنّ هذه المبادرة وضعت قطار هذه العلاقات على الطريق الصحيح بما أتاحته من مفاهيم وأطر وآفاق وفلسفات أطرت لشراكات كبيرة وعميقة وجديدة، انبثقت عنها آمال وأحلام لم تكن في حسبان دول إفريقيا". 
ولم يغفل الهاجري عن العلاقات الصينية مع الشرق الأوسط ودورها العام في تعزيز فكرة رفض الهيمنة، وتوضيح أهمية التبادل الثقافي والتجاري، الأمر الذي يعود بالفائدة على الصين وعلى دول الشرق الأوسط، حيث ورد:
 "كثيرة تلك المصالح الصينية في الشرق الاوسط، ولكن يأتي في مقدمة هذه المصالح توليد فرص استثمار جديدة، وتحصيل عقود مشاريع بنية تحتية للشركات الصينية، بالإضافة إلى كسب حصة في السوق لمنتجاتها". 
مما سبق بيانه، نخلص إلى أنّ الدكتور علي بن غانم الهاجري يعدّ بحق مجدِدًا في حقلي العلاقات الدولية والعلاقات مع الصين، وقد فتح في الوقت نفسه طريقًا جديدة أمام الدراسات السياسية، فقد جدّد في كتابه نظرية التحليل السياسي القائم على خطاب الحوار وتبادل المعارف، بعيدًا عن الخطاب السياسي الاستعلائي عند تناول الكتابة عنن الصين وعلاقتها مع العرب، الدكتور الهاجري كرّس أهمية مكانة الوعي السياسي والعقلانية في كيفية بناء العلاقات السياسية بين الدول، وطريق الحرير أنموذجًا لهذا الوعي اليقظ.