التناص الديني في رواية "حياة" /رواية فتيان للكاتبة صفاء بيدس

  
من إصدارات الآن ناشرون وموزعون/2021
         قراءة بديعة النعيمي


ترى جوليا كريستيڤا أن التناص عملية تداخل وتمازج مجموعة من النصوص ينتج عنها ولادة نص إبداعي جديد.

ويُعد الموروث الديني المصدر الأول الذي يوظفه الكاتب في نصه الأدبي. والرواية خاصة تتميز بالقدرة على احتواء النصوص التراثية وتحويلها إلى إبداع أدبي يحقق غايات جمالية ودلالية.
والتناص الديني عبارة عن اقتباس أو تضمين من القرآن الكريم أو الحديث الشريف وغيره. وهنا يحصل التداخل بين النصوص التي تكسب العمل الأدبي ميزات وخصائص شكلية وفنية جديدة. 
وقد عمدت الكاتبة صفاء بيدس إلى التناص الديني لتعزيز الرؤية الإسلامية للرواية لدى جيل الناشئة في مواجهة معززات الراهن الخاضعة لهيمنة العقل المادي. فكانت على دراية للمضامين والدلالات القرآنية والحديث الشريف فنجحت في ربط تلك النصوص بالواقع.

-التناص مع القرآن الكريم.
الغالب في التناص مع القرآن الكريم الأخذ من قصصه لأنها تحمل دلالات عدة. وقد احتوت رواية حياة نصوصا كثيرة متنوعة اندمجت وتداخلت وعمقت الرؤية للأحداث وساهمت في تشكيل البناء الفني للرواية.
وأول نماذج التناص القرآني استدعاء شخصية النبي موسى عليه السلام. وقد تلاعبت الكاتبة بحيث غيبت الشخصية الحقيقية للنبي عن طريق التناص والإحالة ،ولولا المغزى وبعض المؤشرات التي توحي بتناصه مع القرآن الكريم لما أدركنا أن الكاتبة اغترفت من النص الديني الذي تماشى بكل حرفية مع مسارات السرد. فنجد في قصة سديل وأبيها في الرواية تناصا مع قصة النبي شعيب وابنتيه مع النبي موسى عليه السلام.قال تعالى في سورة على لسان ابنة النبي شعيب عن النبي موسى ( يا أبت استأجره إن من استأجرت القوي الأمين). حيث نجد الكاتبة تعطي يحيى بطل الرواية هذه الصفات فعلى لسان الساردة ص54( كانت سديل تتابع يحيى من هودجها ،كانت ترى صدقه وحسن معاشرته لوالدها..لم يكن ليرفع بصره في وجهها). وفي قصة موسى طلب النبي شعيب أن يتزوج إحدى ابنتيه، وفي الرواية نجد والد سديل ص59 يعرض ابنته على يحيى ( إني أعرض عليك الزواج بابنتي لحسن خلقك ودينك).
أما النموذج الثاني للتناص مع قصة النبي موسى عليه السلام فنجده في الآية 7 من سورة القصص حيث يقول الله تعالى( وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين). وهذا ما حدث مع أم يحيى بعد وفاة زوجها وخوفها على ولدها من عادات القبيلة فابعدته مع جماعة عبر البحر ص80( أخذته وأوصت به جماعة تركب البحر فهناك حياة هناك خلف البحار) فيحيى بطل الرواية والنبي موسى تم إنقاذ حياتهما عن طريق الماء. وكل منهما تربيا على يد غير والديهما، فهذا تناص آخر مع قصة موسى عليه السلام.
كما ورد في الرواية تناصا مع قصة النبي يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز ففي سورة يوسف 29 يقول الله تعالى ( يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين). وقد تناصت قصة يحيى مع ملكة بلاد الفرسان حيث حاولت جره إلى المعصية لكنه تمنع وفضل الموت في الصحراء على أن يعصي ربه. ففي ص45 ما جاء عن الملكة على لسان الساردة( قالت وهي تمسك ثيابه بيدها الأخرى ،لكنه دفعها بقوة فارتدت إلى الخلف وسقطت). فاتهمته عند زوجها الملك كما فعلت امراة العزيز فكان مصيره أن ترك في الصحراء ليموت فسلم نفسه للحراس طوعا كما فعل النبي يوسف عليه السلام عندما فضل السجن على الوقوع في المعصية.
كما تستحضر الكاتبة قصة هدهد النبي سليمان وتقصيه لأخبار البلاد ففي سورة النمل 22 يقول الله تعالى على لسان الهدهد للنبي مبررا غيابه للنبي سليمان ( وجئتك من سبأ بنبأ عظيم). وفي روايتنا عندما يسأل الهدهد يحيى من أي البلاد جاء فيخبره من بلاد الفرسان يعقب الهدهد ص52( بلدة فاسدة وأهلها ظالمون) وهنا تكون الكاتبة قد استخدمت تقنية التناص باستعادة قصة هدهد سليمان عليه السلام..
التناص مع الحديث الشريف.
يعد الحديث النبوي الشريف التشريع الثاني بعد القرآن الكريم والتناص مع الحديث الشريف من أنجح الوسائل لإيصال وتبليغ رسالة ما وقد استثمرته الكاتبة في نصها فاستخضرت نصوصه بما يتماشى مع مضمون كتابتها ويخدم إبداعها. ومنها التناص الذي جاء على لسان هجان أخت يحيى ص95( لأن يهدي الله بك قلبا خير من الدنيا وما فيها) مع حديث( فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم). وما جاء على لسان سديل لوالدها ص61( ألم تقل لي أن المسلم أخو المسلم ؟) فقد تناص مع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه) إلى آخر الحديث.
وغيرها الكثير من التناصات التي لا تسعنا هذه الدراسة بالإلمام بها والتي نجحت الكاتبة في توظيفها.
بقي أن نقول بأن رواية حياة رواية موجهة بذكاء إلى فئة الفتيان حيثراعت صفاء بيدس استخدام الخيال الذي كما قال عنه الباحث العراقي نجم عبد الله يرمم الفجوة بين مدركات الطفل وخبرته المحدودة وبين ظواهر العالم المعقدة التي يبدأ بملاحظتها منذ أن ينضج وعيه على العالم حوله .
كما استخدمت عنصر التشويق وهو عامل مهم في أدب الفتيان لشد انتباههم طوال صفحات الرواية وأن تكون الأحداث غير اعتيادية. كما واهتمت بطول الجملة ولغة الحوار..وقد قدمت العمل بحيث امتزجت فيه الحكمة والمغامرة والحب والخيال الواسع.