د. أريج جبر تُشرح المشهد العراقي وتكتب .. قضية وطن ليس إلّا
د. أريج علي جبر
لم تعد جرائم الإبادة الجماعية حكرًا على ما مضى من التاريخ، فالأيام شواهد، وما يحدث الآن في الوطن العربي جهرًا وقهرًا معلوم جيدًا لدى الجميع، والعراق إنموذج حي وشاهد واقعي، إذ ذهب الملايين من أبنائه بلا ذنب؛ سوى أنهم يبحثون عن وطن يأويهم، وإيجاد خيارات أفضل للعيش المشترك يصون كرامتهم ويحفظ دمائهم التي باتت مسفوكة من قبل جميع الأطراف المشاركة في العملية السياسية والأطراف الدولية، والعراق ليس بمنأى عن دول المنطقة العربية التي وقعت في فخ الفوضى وسارت تباعًا ضمن المخطط الأمريكي للمنطقة والذي بدأ باحتلال العراق للعام 2003م، ولم تتمكن أيا من دول المنطقة من النجاة بشكل كامل.
ومع ذلك لن نخوض في تفاصيل الأوطان التي تمزقت على مقاس الطموح الأمريكي، فالجميع حقق رؤيته فينا وكلنا أحجار على رقعة الشطرنج، فنكتفي بالعراق لنضرب شواهد حية لذلك الشتات.
فأميركا التي احتلت العراق بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، صورت العراق حينها بالقنبلة الموقوتة والخطر الموجه للعالم، وليست هذه الحقيقة وإنما خطر أبناء العراق المؤكد من مقاومتهم للوجود الأجنبي أيا كانت صبغته وطبيعته، وتطلعاتهم الى إزالة الوجود الإسرائيلي من المنطقة، ومن هنا كان التدخل الأمريكي السافر فيه، وبدأت حكاية العراق بكذبة أمريكية لم تنتهِ إلى الآن.
العراق لا يقع فقط ضمن رصيد النفط والدولار والثروة الموصوفة لأمريكا، وإنما ورقة رابحة، وورقة ضغط تلوح بها متى شاءت لتقترب كثيرًا من إيران، أو تصعد معها شكليًا حين الاختلاف فكلاهما وجهان لعملة واحدة، لتنفيذ مصالحها في المنطقة، وليكتمل مشروعهما بشكل كامل تم تعميق الانقسام الطائفي والتناحر السياسي فيه تحت رعاية الاحتلال الأمريكي والإيراني وبمباركة المجتمع الدولي، فالمخطط على ما يبدو ينتهي عند التسليم التام و(تطويب) العراق لإيران وقياداتها وأعوانها ممن قدر لهم أن يكونوا أصحاب القرار في الشأن العراقي وأن يتحدثوا باسمها ويكتبوا جزءًا من تاريخها بالدم، بدم الأحرار، بعد أن يتم نهب كافة ثروات العراق كافة.
رغم مرور أكثر من ثلاث مظاهرات شعبية صدحت بها حناجر الشعب العراقي منذ عام 2003م وإلى اليوم خرجت لرفض الوجود الأجنبي والعملية السياسية التي وضعها الاحتلال الأمريكي ومارسها الاحتلال الإيراني، دفع ثمنها الآلآف من الضحايا بين قتيل وجريح ومعذب ومعتقل ومختفٍ قسرًا وأرملة ويتيم.
العراق اليوم على مفترق طرق ومن حقه النجاة بثورة شاملة ضد الطغيان ورموز الاحتلال والعبث السياسي، وقلب الطاولة وتغيير أوراق اللعب من المجازفة والمفاوضات الى المواجهة المباشرة.. فالعراق منذ اللحظة الأولى لاحتلاله والتسليم بسقوط بغداد شاخت قوته، وتطاول عليه من كانوا يهابون العراق لفظًا، ومعها سقطت أقنعة الساسة وبانت أطماعهم، ونشبت إيران أظافرها وأطلقت غلمانها لفتح ملفات أقل ما يمكن وصفها بأنها ملفات مأجورة نتنة لبث المزيد من المخاوف وتفتيت المسار الوطني، والتنكيل بالشعب العراقي المقاوم، فمن أطلق يد المواجهة العسكرية وأعطى الأمر بأن يقف العسكر في مواجهة الشعب لم يضع في حساباته العراق أولاً وأخيرًا.
المطلب الآن ليس اجتماعات سرية، ومكاسب شخصية وإنما الالتفاف حول الوطن، وأن تسعى الجماهير الشعبية نحو التغيير المنشود، وأن لا يأمل الثوار كثيرًا بالقوى والمنظمات الدولية والتنظيمات السياسية التي اشبعت العراق من عام 2003 ومرورًا بالعام 2014 وإلى الآن قتلاً وتدميرًا وتشريدًا.
المرحلة مرحلة التغيير الجاد والبحث عن قيادات وطنية مخلصة لتراب الوطن ودمائه الزكية تعمل للوطن لا تعمل عليه، وتتحدث بلغته و بإرادته وتسعى إليه ولا تبتغي منه أرصدة ونفوذًا.
لقد أثبتت الانتفاضة الأخيرة (انتفاضة تشرين) وعي الشعب العراقي للمخططات التي حاكتها الولايات المتحدة الأمريكية وإيران ضد شعب العراق وأهله، وكشفت مدى قوة وصلابة الإرادة العراقية في الوقوف من جديد ليأخذ العراقيون زمام المبادرة والتغيير والدفاع عن أنفسهم ووطنهم