(الموت) .....
امل خضر .........
للموت فلسفةٌ عميقة تمتلئُ تفاصيلها بالأسى، لهذا تنفر القلوب من ذكره، وتنتفض الأرواح رعبًا منه، فالموت هو الرحلة التي لا عودة منها، ولا أحد يعلم ما إن كانت هذه الرحلة سهلة أم صعبة أم متعبة، لأن الغموض يكتنف الموت ويُحيط بتفاصيله الموحشة، ولا يعلم بأمره إلا الله تعالى، وإن حضر الأجل وحانت ساعة الموت، فلن ينفع الطب ولا الدواء ولن ينفع الأولاد ولن تنفع الأموال، فالموت قاهرٌ يفرض سطوته على الجميع، ودائمًا تكون الكلمة النهائية له، والله تعالى قهر العباد بالموت، كي يعلم العباد أن الله تعالى وحده قادرٌ على الإحياء، وأن الموت والحياة بيده وحده.
لا يوجد قسوة أكبر من أن نسمع خبر وفاة من نحبهم، فيكون الخبر صدمة كبيرة لنا تؤثر في حياتنا ولا نستطيع أن نعود كما كنا من قبل، صحيح أنّ الموت حق على كل إنسان في الحياة إلّا أنّه مفجع ويترك ألماً لا يمحى مع الزمن، ولا يبقى لدينا إلّا ذكرياتنا معهم والدعاء لهم في قبورهم بالرحمة. ولقد قال الله تعالى عن الموت "كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" صدق الله العظيم.
لو كان الموت يعرف مقدار الألم والغصّة التي يتركها في القلوب لما تجرأ أبدًا على زيارة أحد، ولو كان يعلم أنه حين ينزع الروح من جسدٍ واحد فإنه ينزع الفرح من قلوب أهله وأحبته لما كان نزع فرحة أحدًا، لكن الموت حقٌ وقدرٌ لا مفرّ منه، وهو السكين الذي ينغرس في قلب الحياة ليتركها جثة هامدة لا حول لها ولا قوة، وهو السم القاتل الذي يترك الورود اليانعة صفراء ميتة،
إشكالية الموت والحياة استنزفت تفكيري لدرجة لا يعلمها إلا الله، فحتى أنني صرت أطمئن نفسي بأنها مجرد حالة اكتئاب عابرة، ولكنني أيقنت أن الحقيقة هي أنني سأموت وهي مجرد مسألة وقت فقط لتحين تلك اللحظة المصيرية، ربما سيظن البعض أنني أخشى الموت لمثل تلك الأسباب المعتادة التي تجعل الناس يخافون الموت، إلا أن الأمر مختلف معي، فأنني أفكر بأنه حاليا هناك عالم مواز لعالمنا في اللحظة التي أكتب فيها هذه الكلمات، عالم يظهر لنا مظلما وصامتا وكئيبا، إلا أنني أحسب أنه عالم قائم ، ولا أدري هل سيكون فيها هواء وماء وروائح وأصوات، إلا أنني مثلكم سنعلمها عند انتقالنا لهذا العالم.. ومن عجيب صنع الله سبحانه أنه جعل غشاوة على أبصارنا طيلة حياتنا التي لا نعلم مدتها ولكن في الغالب لن تتجاوز اعمارنا الستين الى المئه سنة، والتي هي تشبه الثانية مقارنة بعمر الكون، وعند لحظة الموت يرفع الحجاب ويكشف العالم الآخر، عالم الأموات، وخلال لحظات تصبح من سكانه تاركا خلفك دنياك التي مرت عليك كلمح البصر، أنّ حياتك تشبه الحلم في الحقيقة وعند الموت سترى الحقيقة، وكل دقيقة تمر عليك تقرّبك أكثر من هذه الحقيقة
مشاعر مختلطة لاأعرف التعبير عنها وعن الافكار التي تدور في مخيلتي والتي تعتريني بطريقة يمكن أن تلامس ذهنكم وقلبكم ، فلموت موضوع حساس جدا، بل إن أغلب من سيقرأ العنوان سينفر منه، وكأنه غير معني بهذا الأمر، الذي سيلاقيه بعد زمن بل أنه في هذه الثواني القليلة هناك من كان يرى الأمور مثلنا وهو حاليا في ذلك العالم الآخر، وربما يكون الآن في حيرة وذعر لا يوصفان.. إننا نكذب على أنفسنا كثيرا ونعتقد أننا الوحيدون في هذه الحياة وأننا سنعيش إلى أبد الآبدين، مطمئنين وأصحاء ومعافين، وهذا محض خيال وأحلام، فدونكم وعالم الحقيقة يا قوم!
فالموت هو الوجه الآخر للحياة، لكنه الوجه المرعب والقاسي، والوجه المنفر الذي لا يرغب برؤيته أحد، ورغم هذا لا بدّ للإنسان أن يستسلم لحقيقته، وأن يعمل لأجله، وأن يترك خلفه أثرًا طيبًا.