احتلال تركي بوضع اليد في سورية
فهد الخيطان
كيفما قلبت المسألة لاتجد وصفا للتدخل العسكري التركي الوشيك في الشمال السوري غير أنه احتلال لأراضي الغير بالقوة.
التدخل التركي في سورية ليس بالتطور الجديد، وخلال سنوات الأزمة الأخيرة اتخذ أشكالا متعددة تراوحت بين التدخل العسكري المباشر، ودعم وتسليح فصائل عسكرية، وجماعات إرهابية، إضافة لتسهيل دخول المقاتلين الأجانب إلى سورية عبر أراضيها.
لكن تركيا تخطط هذه المرة لإقامة طويلة في الشمال السوري وشرقي الفرات، بزعم القضاء على الجماعات الكردية المسلحة التي تهدد أمنها الوطني.
واشنطن المضطربة في سياساتها الإقليمية وغير المبالية بحلفائها في المنطقة، منحت أنقرة الضوء الأخضر لتنفيذ العملية العسكرية، وبدأت بسحب مجموعاتها العسكرية القريبة من الحدود التركية.
روسيا المعنية أكثر من غيرها بالشأن السوري، تحفظت على القرار التركي الأميركي، لكنها لاتنوي أن تذهب أبعد من ذلك وهى تضع في حساباتها المصالح الاقتصادية والعسكرية مع تركية، وآلية التنسيق الثلاثي مع إيران عبر بوابة أستانة.
الدول الأوروبية قلقة للغاية من العملية التركية، وتخشى من انتكاسة لجهود الحرب ضد داعش.
هذا القلق له ما يبرره فعلا، فالتنظيم الإرهابي بدأ يستعيد قدراته على الأرض. وهنا ينبغي أن يأخذ على محمل الجد تحذير قوات سورية الديمقراطية من أن الهجوم التركي سيقوض الجهود التي بذلت لدحر الجماعات الإرهابية، ناهيك عن وجود اكثر من سبعين ألفا من أعضاء هذه التنظيمات في سجون "قسد” وفي حال انهيار قدرات التنظيم الكردي يمكن لهؤلاء أن يفروا من السجون ليشكلوا جيشا من الإرهابيين في الميدان.
الكرد في المناطق المهددة بالهجوم التركي يشعرون بخيبة أمل كبيرة بعد تخلي إدارة ترامب عنهم، وتركهم فريسة لتركيا. لكن كان على قادة "قسد” أن يدركوا ذلك في وقت مبكر ويتوقفوا عن الاعتماد على الولايات المتحدة لتأمين مناطقهم، والدخول في حوار جدي مع الحكومة السورية لإنجاز اتفاق تاريخي يضمن وحدة التراب السوري، ويؤمن حقهم في الإدارة الذاتية في إطار الدولة السورية الواحدة. ليس ثمة خيار آخر لهم غير هذا الخيار. موسكو تدعم هذا التوجه حاليا، لكنها لم تبذل ما يكفي من الجهد فيما مضى لتحقيق هذه الغاية، ويتعين عليها اليوم التدخل بقوة أكبر لتجنب سيناريو "وضع اليد” من جانب تركيا وتعقيد الأزمة السورية التي تمثل عبئا استراتيجيا على القيادة الروسية.
إن العملية السياسية المنوي إطلاقها بعد الاتفاق على تشكيل لجنة الدستور السوري، يمكن أن تشكل أساسا قويا لدمج القوى الكردية في الحوار الوطني السوري، وبناء جسور الثقة مع الدولة السورية لرسم مستقبل جديد للبلاد يضمن حقوقا منصفة لجميع المكونات السورية.
ويتعين على الدول العربية أن تدعم هذا الخيار، وقبل ذلك ان تتخذ موقفا قويا من التدخل العسكري التركي في سورية، ليس لأن سورية مهددة بالتقسيم بعد القرار التركي، بل للحؤول دون ولادة التنظيمات الإرهابية من جديد في سورية والعراق،وعودة الحرب ضد الإرهاب لسابق عهدها بما تمثل من تهديد لدول المنطقة واستنزاف لمواردها.
الغد