ندوة الأبعاد العسكرية والاستراتيجية لعملية" طوفان الأقصى".. في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة.
القى اللواء الركن المتقاعد د. خالد عبيدات محاضرة بعنوان "الأبعاد العسكرية لعملية طوفان الأقصى" في الجمعية الأردنية للعلوم والثقافة قدمه فيها المهندس خالد المعايطة عضو الجمعية والذي بدأ تقديمه بالطلب من الحضور الوقوف لقراءة الفاتحة على أرواح شهداء غزة وذلك سط حضور نوعي من أعضاء وأصدقاء الجمعية .
وقدم المعايطة تقريرا وافيا لمدينة غزة من حيث المساحة والسكان والمستوطنات المحيطة بها ولحركة المقاومة الإسلامية حماس.
اللواء عبيدات بدأ محاضرته بالقول .. هناك أسئلة كثيرة تُطرح: فلماذا قامت حماس وفي ظل البيئة الإستراتيجية السائدة.. باتخاذ قرار الحرب ؟ وهل القرار فلسطيني حمساوي سيادي ؟ ما هي الدوافع التي دفعت حماس للإقدام على مغامرة بالغة الخطورة.. في ظل بيئة إستراتيجية ليست في صالحها ؟ ما هي الأهداف الإستراتيجية التي تم التخطيط لتحقيقها.. وهل تم تحقيقها ؟ كيف جرت العمليات ؟ وما هي النتائج التي تحققت من العملية ؟ هل ستعيد التطورات الناتجة عن هذه الحرب الإعتبار للقضية الفلسطينية ؟ وهل سيتطور الطوفان الى حرب إقليمية ؟ على الصعيد الأردني.. كيف نقرأ الحدث.. وهل هناك دروس نستفيدها منه؟
ويجيب عبيدات على هذه الأسئلة بالقول: نعم.. القرار فلسطيني حمساوي 100%.. وشكّل مفاجئة لكافة الأطراف الأخرى بما فيها حلفاء حماس المقربون... والذين حتى وإن كانوا على دراية بأن هناك عملاً عسكرياً.. فإنهم بكل تأكيد لم يكونوا بالصورة عن تفصيلاته.. ولا عن وقت تنفيذه... وأعتمد في ذلك على أن تحقيق ذلك المستوى من المفاجأة.. خلفه درجة عالية من السرية والكتمان.
أما عن الدوافع والأسباب التي دفعت حماس للقيام بهذه العملية فأهمها وفق ما أكده عبيدات في المحاضرة:
- الحصار الخانق الذي تفرضه اسرائيل على غزة منذ أكثر من عشرين عام.. وحالة ضنك العيش التي يعيشها أهل غزة.. بلا أمل.. ولا كرامة. وبالتالي لم يعد لدى الفلسطيني ما يخسره.
- غياب الأفق السياسي لأي تسوية معقولة للقضية الفلسطينية.
- تمادي حكومة نتياهو وإتباعها أساليب متطورة في القمع والبطش لترهيب الفلسطينيين.. وإطلاق العنان لعصابات المستوطنين للتمادي باعتداءاتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية.
أما عن الأهداف الإستراتيجية للعملية يؤكد عبيدات أن أهمها..
- تفعيل خيار المقاومة الفلسطينية.. بعد أن تم تجاهل المقاومة في غزة.
- رفع كلفة الإحتلال.. بعدما أصبح احتلالاً سلساً لا كلفة له.. لا سيما بعد إتفاقية أوسلو وما نتج عنها من تنسيق أمني تقوم به السلطة الفلسطينية.
- خلط الأوراق في المنطقة.. والتشويش على مسار التطبيع العربي الصهيوني.
أما عن سير العمليات يقول عبيدات ..
أن التخطيط تم بسرّية تامة.. حرم العدو من كشف التحضيرات للعملية.. ووقت بدئها... كل التحضيرات جرت تحت الأرض.. ما حرم أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية من الحصول على أي معلومات يُستدل من خلالها أن هناك نوايا لشن هجوم وشيك.
ترتب على كل ذلك.. فشل إستخباراتي إسرائيلي كبير.. مكّن قوات القسام من تحقيق عنصر المفاجأة بأوسع معانيها.. وقد ضاعف من شدة هذه المفاجأة الإختيار المناسب لوقت بدء العملية.. السادسة صباحاً من يوم السبت اخر أيام عيد العرش اليهودي... ولهذه المفاجأة يعود الدور الأهم والرئيس وراء النجاح الكبير للعملية... فقد تسببت المفاجأة بارتباك عملياتي كبير.. وإحداث حالة من الفوضى والإرتباك في الجانب الإسرائيلي على كافة مستويات الحرب التكتيكية والعملياتية والإستراتيجية... نتج عن هذا الإرتباك أن فقدت الدولة توازنها.. لدرجة غدت كافة مؤسساتها مشلولة وغير قادرة على الفعل.. وإدارة الأزمة.
تزامن مع الهجمات الأرضية.. إطلاق رشقات مكثفة من الصواريخ (5000) صاروخ في اليوم الأول.. وظلت الدولة على ذلك الحال لأكثر من يومين... بدأت بعدها بإستعادت توازنها.. وإسترد جيش الدفاع الإسرائيلي زمام المبادرة.. وبدأ بتنفيذ حملة عسكرية سماها "السيوف الحديدية".. تركزت على استعادة السيطرة على المستوطنات.. تبعتها في مساء نفس اليوم سلسلة من الغارت الجوية المكثفة على غزة.. غارات قاسية نفذتها أحدث الطائرات.. وأستخدمت فيها أسلحة محرمة دولياً (الفسفور الأبيض)... تركزت على المجمعات السكنية.. حرقت الأخضر واليابس.. وأستهدف الجميع دون تمييز بين عسكريين ومدنيين.
وعن نتائج العملية يشير عبيدات الى أن ..
العملية كانت ملحمة عسكرية وإنجاز عسكري كبير... هجمات مفاجئة وجريئة.. أستخدمت فيها أسلحة ومعدات وتكتيكات غير مسبوقة.. تجلّت فيها شجاعة وبراعة الجندي الفلسطيني... وعكست مستوى تدريبي وكفاءة قتالية عالية وأظهرت فشل نظرية الأمن الإسرائيلية.. وشكلت إختراق لحالة الأمن القومي الإسرائيلي.. والتي كانت في أفضل حالاتها منذ نهاية حرب تشرين 73.
كما أظهرت فشل الحكومة الإسرائيلية وكشفت عجز كافة موسسات الدولة.. المدنية.. والعسكرية.. والأمنية.. والإستخبارية.. وعلى كافة المستويات.
تسببت بفقدان الإسرائيليين الثقة بأنفسهم.. وبقيادتهم.. وبجيش الدفاع الإسرائيلي (الذي لا يقهر).. والى تقويض قدرة الدولة على الصمود والبقاء.. والتي أهتزت هذه المرة أكثر من أي وقت مضى منذ حرب 73.
وأثبتت هذه العملية المحدودة والخاطفة بأن إسرائيل دولة هشة.. وجودها أصبح محل نقاش ولأول مرة في التاريخ.
وكذلك أعادت الأمل لجيل فلسطيني فقد الأمل بقيادته.. وبالمجتمع الدولي لتحقيق اماله الوطنية.. رفعت كلفة الإحتلال.. وعززت الإيمان بالمقاومة.. وأثبتت فشل اتفاقات السلام وعدم جدوى التطبيع.
وأحدثت خسائر كبيرة من حيث أعداد القتلى والجرحى والأسرى.. والتي فاقت خسائر اسرائيل في حربيها في لبنان عام 82 وفي حزيران 67 مجتمعتين !!
أما عن رد الفعل الصهيوني الإجرامي على العملية أضاف اللواء عبيدات ..
كان متوقعاً منذ البداية أن يكون الرد مزلزلاً.. فهناك حدث صادم هز أركان الدولة.. وأهان كرامتها الوطنية... وأظهر عجزها وفشلها.. وبالتالي من الطبيعي أن يقود الى رد فعل إنتقامي مزلزل.. والذي جاء على شكل سلسلة من الغارت الجوية المكثفة على غزة.. دون التفريق بين أهداف عسكرية أو مدنية.
أما عن الحملة البرية فإقتحام غزة إحتمال وارد.. وله ما يكفي من المبررات لاستكمال ما حققته الهجمات الجوية من تدمير ممنهج.. إذ يبدو أن هناك تصميم مسبق على القضاء على حماس.. وعلى ذراعها العسكري بشكل خاص.. لشل قدرتها على تنفيذ عمليات عسكرية في المستقبل.. لا بل أكثر من ذلك.. فقد أظهرت الأحداث أن إسرائيل جادة وبمساعدة حلفاءها على تهجير الفلسطينيين من غزة... ليظهر لنا ترند جديد عنوانه: "غزة أولاً على جدول التهجير".. بدلاً من "غزة أولاً على طريق الحل النهائي".
أما عن إحتمالية توسع الحرب وتحوّلها الى حرب إقليمية قال عبيدات ..
كل شئ وارد.. لكن ذلك يخضع لإعتبارات كثيرة ومعقدة.. أنا لا أظنه خياراً مرجحاً من قبل حلفاء حماس وِشركاؤها... ويصبح وارداً في حال وجدت إسرائيل.. أن البيئة الإستراتيجية ملائمة للقضاء على عدو أو أعداء اخرين.. بمعنى أن لا أطراف أخرى في محور المقاومة راغبة في الدخول في الحرب الى جانب حماس.. ما لم يتم جرهم إليها.
فإيران: الطرف الأكبر في محور المقاومة.. أمضت ربع قرن وهي تبني مشروعها النووي.. حتى وصلت به الى مرحلة متقدمة جداً.. وإن دخلت الحرب سيتم بالتأكيد تدمير هذه المشروع.. أضيف الى ذلك أن إيران تخضع لحصار إقتصادي.. وتمر بظروف داخلية صعبة.. وليس من مصلحتها دخول الحرب في ظل هذه الظروف.. إلا إذا فُرضت عليها.
أما الجبهة الشمالية فستبقى تميل الى السخونة في نطاق عمليات حربية محدودة.. ففي هذه الجبهة قدرات عسكرية كبيرة جدا يمتلكها حزب الله.. تفوق بمئات المرات ما تمتلكه حماس وترسانة كبيرة من الصواريخ الدقيقة وذات المديات البعيدة.. هذه العوامل ورغم أهميتها البالغة.. لكنها ليست لدرجة فتح هذه الجبهة... فحزب الله لاعب عقلاني.. ويرد على الإعتداءات على مواقعه بمقياس محدد.. وله حساباته الخاصة المنفصلة عن حسابات حماس.. وقرار دخوله الحرب ليس بيده بالمطلق.. ولو أن لدى حزب الله نية لدخول الحرب.. لأستغل الفرصة خلال اليومين الأولين.. عندما كانت دولة الإحتلال في حالة من عدم التوازن والشلل الكامل.. وعدم إقتناص تلك الفرصة مؤشر على أن حزب الله ليس لديه النية في دخول الحرب.
ويشير عبيدات الى أن هذه القراءات تختلف وتتغير في ثلاث حالات:
الأولى: حدوث خطأ في الحسابات على الجبهة الشمالية.. قد تقود الى إنزلاق حزب الله في الحرب.. والثانية: إذا ما وجدت إسرائيل والولايات المتحدة أن الظروف وفي ظل الحشد الأمريكي في المنطقة.. غدت مواتية للإجهاز على حزب الله.. والحالة الثالثة: إذا ما وجدت الولايات المتحدة وإسرائيل.. أن الفرصة مواتية لمهاجمة المنشات النووية الإيرانية.. ثم ترد إيران على الهجوم الأمريكي الإسرائيلي المشترك.. عندها لن يكون أمام حزب الله من خيار غير الإنضمام لإيران في حربها هذه.
وفي الختام أشار اللواء عبيدات إلى أن الوضع في المنطقة خطير.. وأن "طوفان الأقصى" وما تبعه من زلزال "السيوف الحديدية".. فرز وبشكل واضح الحلفاء من الأعداء.. وأكد أن التهجير القسري أصبح حقيقة دامغة.. مما يتطلب منا في الأردن أخذ هذا الأمر بجدية.. ويحتم علينا إعادة النظر باصطفافاتنا السياسية وتحالفاتنا الإستراتيجية.. وفقاً لمصالحنا الوطنية العليا.
وفي نهاية المحاضرة دار حوار واسع بين الحضور والمحاضر .