إلى فلسطين عائدون وإلى الله راجعون ..
سعيد الصالحي
لم أجد منشورا واحدا يجوب صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وهو يحمل قنابلا أو يرتدي حزاما ناسفا، ولم أعرف سوى التحيز من هذه المواقع لكمية الحواجز ونقاط التفتيش التي تضعها في وجه ما نكتب أو ننشر من خلالها، أخبرني الأصدقاء أن المنشورات لا تصل إليهم بس الخوارزميات التي لا تمل عن برمجتها لتعطيل كل منشور أو تغريدة أو موال يتضمن تعاطفا مع فلسطين أو يبرز لمن حوله مجازر الصهاينة التي لا تختلف عن سابقاتها سوى أنها تبث على الهواء مباشرة كأننا في سيرك دولي لا ينقصه سوى أن يمارس فيه ساسة الغرب أدوار المهرجين الهواة.
بات ما يحدث في فلسطين إزاء صمت العالم كالأفلام الهندية نبكي ونتوجس لساعات ثم نفرح في آخر مشهد وقبل أن يسدل الفيلم على اسم المخرج الذي أتعسنا لساعات ثم حل كل العقد والمشاكل وأعاد الحقوق وأنتصر للمظلوم ونال من الظالم في دقيقة واحدة، ما جعلنا نصبر على كل هذه الدراما هو ايماننا بحتمية النصر في المشهد الأخير وأن كل ما عانيناه سيتحول إلى فرح سعادة قبل أن ترخى الستائر وتشرق الأضواء.
شهداء فلسطين أصبحوا رقما وكذلك الجرحى والبيوت المهدمة، القنابل التي ترمى من كل حدب وصوب ليست سوى أوزان وأرقام هي الأخرى، والمساعدات الانسانية أعداد شاحنات لا أكثر وأوزان الطعام، فالعدو يرمينا بالقنابل والصديق يريدنا أن نصدها بالرغيف وكوب من الحليب، ربما يريدوننا ان نستقبل الموت بصحة جيدة.
ماذا نفعل من أماكننا لنصرة غزة، سنقاطع البضائع الامبريالية، ونقف إحتجاجا هنا ونسير منددين هناك، وسنبكي ألمنا وقلة حيلتنا قبل أن تقبض رؤوسنا على الوسائد ونغط في النوم لعل أحلامنا تحمل ما لا يحمله واقعنا الذي يتسم بالعجز وعد الساعات في انتظار الموت، أليس من الظلم أن لا يدفن الفلسطيني الذي يموت بسبب ارتفاع السكر وعدم انتظام دقات القلب، وأن يحفظ جثمانه بين من لا يملكون اسما أو أشلاء حين يدفنون.
فجدة صديقي ماتت في غزة قبل أيام فقد نجت من كل مذابح الصهاينة خلال ثمانية عقود ولم يقتلها هذه المرة سوى انتظار علبة الدواء التي لم تأت، فهل جدة صديقي من الشهداء وهي لم تنزف دما؟ أم أن نزيف الروح ووجع الفؤاد واختلال النفس لا يضعها في مرتبة من يحمل بندقية عندما يموت؟ جدة صديقي شهيدة في موتها وقديسة في حياتها، ولطالما كانت تنجو بأعجوبة قبل أن تتمكن منها علبة الدواء.
في هذا المقال والذي سيتحول إلى منشور بمجرد أن أبدأ في حصر أعداد من يعجبهم ومن يصمتون، مع احترامي لكل من يموت فجدة صديقي تستحق مرثية طويلة، وتستحق أن تدور بين كل الصفحات لنترحم عليها فهي قد ماتت منذ العام 1948 ولكننا اليوم نبعثها وربما لا نشيع سوى أنفسنا نحو مقابر تتوفر فيها كل سبل الحياة، مقابر توفر لنا خدمة اصطفاف التوابيت بأجور رمزية، وكذلك تتيح لنا هذه المقابر أن نختار مراسم وطقوس جنائزنا لأننا موتى دون تشييع منذ عقود طويلة، ونحن نبرز شهادات وفاتنا لا اثبات شخصيتنا وحضورنا حتى عندما يشاهدها المأذون الذي سيكتب كتابنا قبل ساعات من العرس.
رحم الله "سعاد" جدتي ورحم الله "مريم" جدة صديقي وعظم الله أجرهم فينا وإنا إلى اللد وفلسطين عائدون ومن ثم إلى الله راجعون.