مشهور حديثة الجازي .. وفلسطين إشتاقت لك
زهير العزه
قبل أيام صادفت الذكرى ال 22 لرحيل رئيس هيئة الأركان المشتركة الأسبق الفريق مشهور حديثة الجازي قائد معركة الكرامة، وهي ذكرى رحيل المثال والقدوة لكل العسكريين والمناضلين العرب وللقادة العظام الذين ضحوا من أجل الامة .
في هذه الايام ونحن نعيش في خضم المواجهة مع العدو الصهيوامريكي والغربي الاجرامي على غزة ،نستذكر الفريق مشهور حديثة الجازي الذي لم يكن يحب إعتلاء المنصات "الميكروفونية" ، ولم يكن مهوسا بالظهور الاعلامي ، فقد كان دائما القيادي الذي يتقدم الصفوف .
فبعد أن أنهى مهام عمله في صفوف القوات المسلحة ، لم يأخذ راحة ولم يجلس على رصيف الحياة .... بل إستمر بالعمل من بوابة نضالية أخرى هي بوابة العمل بين صفوف الجماهير متابعا لقضاياهم ومدافعا عن حقوقهم ... فاذا كان الاردن يسكن شراينه ، فأن قضايا الامة وعلى رأسها قضية فلسطين كانت تسكن روحه ،ولم ينتظر يوما غياب فعل هنا أو قصورهناك ، بل كان دائما يفعل ما يجب في إطار الجهد اللازم نحو قضية فلسطين الارض والشعب والهوية .............
شخصيا تعرفت عن قرب على القائد مشهور حديثه الجازي في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي ، وخاصة بعد الاحداث التي شهدها الأردن في نيسان/ 15 /1989 ،وما تلى ذلك من توجه شخصيات سياسية واحزاب لتأسيس تجمع سياسي، ما أدى في الثاني والعشرين من شهر تموز من عام 1990 الى الاعلان عن تأسيس (التجمع العربي القومي الديمقراطي الأردني) ، من أجل الدفع بالحياة السياسية في الاردن الى الأمام وما قد ينعكس اقتصاديا واجتماعيا على حياة الناس، وكذلك الدفاع عن القضايا القومية
وخاصة قضية فلسطين .
تعمقت العلاقة بعد ما جرى على ضفاف الخليج عام 1990، أوما سميت بحرب الخليج الثانية ، وما جرى بعد ذلك من تحشيد للاساطيل الامريكية والغربية لاخراج العراق من الكويت ، وتصاعد حدة الخلافات الرسمية العربية حول التدخل الاجنبي بالعالم العربي والتواجد العسكري الغربي على الارض العربية ، فأخذ الفريق الجازي يعمل بجد من أجل كي الوعي المعاكس للقوى السياسية الاردنية وجماهيرها لانتاج مفهوم يوحد أداء العمل السياسي في الاردن ،وعدم إنزلاق الخلفات الى داخل "التجمع " وبالتالي التأثير على قوة المواجهة الجماهيرية السياسية لما كانت تخططه الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها ضد العراق .
والفريق الجازي رحمه الله كان مهتما في صناعة حرب العقول ولذلك كان دائما يؤمن باهمية دمج الشباب في الحياة العامة بإعتبارهم العامل الاهم والاداة الرئيسية لتطور أية دولة من خلال ما يمكن ان يحصلوا عليه من معرفة علمية ،فكان أحد ابرز الداعمين للاتحاد الوطني لشباب الاردن الذي عملنا على تأسيسه عام 1990، وقد شاركنا رحمه الله في العديد من المسيرات والمظاهرات والاحتجاجات الرافضة للعدوان الامريكي الغربي على العراق، كما وجهنا وشاركنا ودعمنا في كل حملات التضامن التي كنا نقوم بها من أجل مواجهة الغرب الاستعماري الذي كان يحاصر العراق وليبيا انذاك ، واستهدف ويستهدف مقدرات الامة في كل المجالات، لذلك عمل بعيدا عن المنصات كقائد ميداني في التوجيه الشعبي ، مكرسا خبرته كقائد عسكري حقق مع رفاق سلاحه في الجيش العربي أول نصرعلى جيش العدو الصهيوني في معركة الكرامة ، وكان الشباب في الاتحاد يتطلعون الى شخصيته الرازنة المهابة كبطل اردني وقومي، بل أن الشباب في منظمة طلبة وشباب دول عدم الانحياز كانوا يلتفون حوله ويستمعون له في كل مرة التقيناه رحمه الله في العاصمة العراقية بغداد.
اليوم وفلسطين تتعرض لمؤامرة الابادة الجماعية في ظل أكبر جريمة حرب تشهدها ازقة وحارات وشوارع غزة ، وفي ظل اكبر حملة عداء ونكران للحقوق الفلسطينية تقودها الولايات المتحدة الامريكية اعتى دولة اجرامية على مدى التاريخ كله ، نستذكر الفريق الجازي الذي كان دائما الجسر الاستراتيجي بين العواصم العربية وبين فلسطين يعمل من اجل نصرتها ويحرض قيادات عربية على دعمها ، فكانت الزيارات التضامنية التي يقوم بها الى العراق وليبيا رفضا للعدوان الغربي ورفضا للحصار تأكيد على ان هذا الشيخ الذي عارك الحياة وخبرها لم تقعده سنوات العمر عن خدمة امته والدفاع عنها ، فكنت التقيه في العاصمة العراقية بغداد متضامنا مع الشعب العراقي ، كما كنت التقيه في العاصمة الليبية طرابلس الغرب متضامنا مع الشعب الليبي ، وكانت عبارات المواجهة الحتمية مع اعداء الامة تجدها في كلمة يلقيها او تصريح يدلي به ، مؤكدا على أن كل حصار او عدوان على قطر عربي هو استهداف للقضية الفلسطينية ، لذلك كان يدعو للوحدة ويعمل من أجلها .
إن غزة التي تتعرض لحرب إبادة تستهدف تصفية القضية ، تستذكر الغياب الموحش للفريق مشهور حديثه الجازي وامثاله من الرجال الذين خبروا أسنّة الحراب في لحظة احتدام فلسطين، وكما هي خسرته ذات نهار، فنحن في زمن الظلمات خسرناه وقد كان بحة اصواتنا في المسيرات والمظاهرات وازيز رصاصنا في المواجهات ..
كم كان الشوق والحب لفلسطين يضني الفريق الجازي ، وكم كنا نرى في عيناه وهجا من نيران الغضب يتجه الى حيث الافق الغربي الى حيث بيت المقدس ،وهو يردد ويقول إن فلسطين وشعبها خط اشتباكنا المتقدم مع العدو والمشروع الاستعماري غربي ،ولن تركع ولن تتساقط، ففيها شعب مقاتل وإرادة لا تقهر، وبهم ومعهم ومع شرفاء أمتنا سننتصر وسنعود الى فلسطين .
الغياب الموحش للفريق الجازي في الزمن الفلسطيني الجديد ، الذي جعل من افراد بسطاء يمرغون أنف الجيش الصهيوني المزود باحدث تكنولوجيا عسكرية وبقوة نارية صنعت من اجل استخدامها من اكبر واعظم جيوش العالم والاساطيل والتهديدات النووية ،تثبت أن معركة الوعي التي كرسها الفريق الجازي من أن الارادة أقوى من كل الجيوش المتغطرسة والمعتدية، بل واقوى من أية قوة محتلة، فاحفاد جيل النكبة هم من إستفاق العالم ذات فجرعلى ما أنجزوه من معجزة طوفان الاقصى بما سيخلد هذا الانجاز في التاريخ العسكري الى يوم الدين ............
أيها الفارس الذي لم يكبو بل ظل مقاتلا الى أن حان الموعد الإلهي أن يترجّل، تفتقدك غزة وتفتقدك فلسطين وتفتقدك الامة، وتفتقدك بدلة القتال "والقايش" " والبريه" وذلك المسدس... ويفتقدك الاردن بكل ما فيه ... ونحن اشتقنا "لجيتر" الثوار ولذلك الرشاش... سامحنا ايها القائد إن قصرنا ...فمثلك من يسامح ..