«بالنار »...ترسم الدول الكبرى حدودها ومناطق نفوذها
محمد سلامة -قيام موسكو بتعطيل إصدار قرار من مجلس الأمن الدولي قدمته واشنطن لإدانة العملية العسكرية التركية والمطالبة يوقفها ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) ، يؤكد على أن الدول الكبرى ترسم حدودها وتحدد مناطق هيمنتها ونفوذها ليس بالطرق الديبلوماسية والسياسية وحدها بل وبالقوة العسكرية، (النار)، ونشرح ذلك بالآتي:--
موسكو عندما دخلت على خط الأزمة السورية في نهاية ايلول 2015م بالقوة العسكرية أرادت أن تحدد هيمنتها ونفوذها في مناطق البحر المتوسط (المياه الدافئة) بالنار، وأرسلت قواتها المسلحة وقدمت الدعم اللازم لحليفها في دمشق، وقامت بتدشين قواعد عسكرية جديدة لها في سوريا، وتحاول العودة بالقوة إلى ليبيا ومناطق أخرى فقدتها خلال العقود الماضية، وهي بذلك تتقدم خطوات إلى الأمام على حساب دول كبرى منافسة لها في العالم، وما استخدامها عشرات المرات الفيتو في مجلس الأمن إلا لخدمة مصالحها وتمدد نفوذها، وما تعطيلها مشروع القرار الأمريكي ضد تركيا مؤخرا إلا خدمة لذات الأهداف في منع عودة واشنطن إلى الشمال السوري، وبالتالي إعادة تقسيم مناطق الهيمنة مع الأتراك والايرانيين.
إيران المتواجدة في أربعة عواصم عربية تعتبرها من مناطق ونفوذ هيمنتها السياسية، وقد حددتها ليس بالسياسة بل بالنار ونجحت بايجاد ميليشيات وجماعات مسلحة متحالفة معها، وهي الآن تنافس دول كبرى مثل فرنسا وبريطانيا والهند والصين...الخ ، فلكل منهما مناطق نفوذ في أفريقيا وامريكيا اللاتينية، وهناك قوات وقواعد عسكرية لهما في تلك الدول والاقاليم، وأي تراجع لأي دولة كبرى في أي إقليم أو كيان تحل مكانها قوة عسكرية كبرى بالنار إلى جانب بالديبلوماسية والسياسة.
تركيا التي تتنافس مع إيران على الهمنة والنفوذ في المنطقة تريد انتزاع مصالحها الحيوية ولهذا هددت حليفتها واشنطن بترك الناتو والتوجه للتحالف مع روسيا، وذهبت بعيدا في شراء منظومات اس 400 الروسية المتطورة، وقامت بتحمير عينها على أوروبا وتهديدها باللاجئين ، وذهبت إلى إبرام تفاهمات مع ايران روسيا لترتيب ملفات إقليمية من بينها الأكراد، ولهذا ابتعدت في سياساتها عن حلفائها في الناتو عندما استشعرت خطورة التحركات السياسية والأمنية ضدها وخاصة تبني الغرب مشروع الأكراد الانفصالي في سوريا والعراق.
الدول العربية الإقليمية وحدها وللاسف تركت مصالحها ومناطق هيمنتها وامنها القومي للآخرين، واختارت لغة الديبلوماسية مع أعدائها ومنافسيها في الإقليم، ولهذا نجد إسرائيل تعتبر الضفة الغربية وقطاع غزة جزءا من نفوذها ولا تسمح حتى لحليفتها واشنطن برسم حدودها ومناطق هيمنتها الأمنية والسياسية، وتركيا وإيران تفعلان نفس الشيء في الشرق الأوسط، وبرزت حديثا إثيوبيا التي تتمدد في القرن الإفريقي على حساب مصالح الآخرين، وخاصة العرب، فها هي تتحالف مع جنوب السودان وتحاول استمالة الخرطوم إلى جانبها ضد مصر ، وهكذا نجد ان الدول الكبرى ترسم حدودها وتحدد مناطق هيمنتها ونفوذها في الشرق الاوسط والعالم على حسابنا نحن.
واشنطن متواجدة بقواعد عسكرية في أكثر من (80) دولة بالعالم، وروسيا متواجدة في أكثر من (30) دولة واقليم في الشرق الأوسط والعالم، وفرنسا متواجدة في أكثر من (15)دولة بأفريقيا والعالم ونفس الشيء بريطانيا، فيما الدول الأقل قوة عسكرية تجدها موجودة في جوارها وتقاتل لحماية حدودها ونفوذها بالنار، ففلسفة وجود الامم المتحدة هو لإعطاء الشرعية الدولية لبقاء هيمنة الكبار على ثروات العالم.
ما يجري في شمال سوريا هو ضمن الصراع الإقليمي والدولي على مناطق استراتيجية في الشرق الاوسط، وإذا نظرنا إلى مشروع الأكراد الانفصالي وتعاطف الغرب معه، فإن بلوغه بالنار يعني بكل بساطة فكفكة الدولة التركية ومرحلة لاحقة إيران باعتبار أن العراق وسوريا تحصيل حاصل، ولهذا تداعيات خطيرة على مستقبل دول كبرى وأخرى تسعى لمد هيمنتها ونفوذها كإسرائيل ، فتركيا ومعها إيران وبغطاء روسي تسعيان لمنع أي تمدد غيرهما في مناطق نفوذهما السياسي والديبلوماسي. ولهذا نجد أن الحدود والنفوذ والهيمنة ترسم بالنار عندما تتخطى دول كبرى منافسة و طامحة بتغير خرائط العالم لصالحها .
خلاصة القول إن ثلاثة دول إقليمية هي تركيا وإيران وإسرائيل تتنافس على النفوذ والهيمنة السياسية والأمنية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وعلى حساب الآخرين وبغطاء ومصالح (واشنطن-موسكو ) ووحدنا نحن العرب تركنا أمننا القومي ألعوبة فى ملاعب الكبار لا نقوى على المواجهة ،واكتفينا بإصدار البيانات والتصريحات لا أكثر ولا أقل، فحالنا وللأسف هو الأكثر سوءا هذه الأيام.