غزة والمعايير المزدوجة
د. علي أبوقرين/ليبيا
1-وعد بلفور وإبادة الفلسطينيين:
وعد بلفور الذي وطّن الصهاينة في أرض فلسطين بالتأكيد لم يكن هدفه هو جلب حفنة من اليهود الفقراء والمرضى والمشردين من بعض دول العالم لتوطينهم بفلسطين، وإنما لتحقيق الأهداف الصهيونية المعروفة وللتوسع مع الوقت بالدعم الأنجلوسكسوني وحلفائهم، وهذا ما يحدث الآن في غزة وفي كل المدن الفلسطينية، وسبقت حرب الإبادة على الغزاويين التوسع الاستيطاني في الضفة والقدس، والحصار المطبق على غزة منذ عقدين، ويتزامن مع جرائم المستوطنين اليهود المسلحين ضدّ السّكان المدنيين الفلسطينيين بشكلٍ متواصل على مدار الساعة وبحماية عصابات العدو العسكرية، ويقتل ويصاب ويعتقل يوميًا المئات من الفلسطينيين العزل في كل المدن الفلسطينية بالضفة والقدس، ومنذ السابع من أكتوبر وحرب الإبادة والقتل والتدمير يطال كل شبر في غزة وتهدم البيوت على رؤوس ساكنيها من المدنيين الأبرياء ويطال القصف والتدمير المدارس والملاجئ ودور العبادة والمخابز وخزانات وصهاريج المياه، والمستشفيات والمرافق الصحية، وتقصف سيارات الاسعاف والأطقم الطبية وفرق الانقاذ وعمال الاغاثة والأعمال الانسانية، ويعزل أكثر من 2.3 مليون نسمة من الفلسطينيين في غزة دون مياه للشرب وبلا غذاء ولا دواء ولا كهرباء ولا وقود، مع إجبار السكان على النزوح القسري سيرًا على الأقدام لمسافات طويلة دون الاكتراث للمرضى وكبار السن والأطفال والمعاقين، ويجبروا جميعًا للنزوح الى أماكن غير آمنة وغير صالحة للإقامة ويتعرضون للقصف على الطرقات، ومن يلجأ إلى المدارس والمستشفيات والملاجئ معرضٌ للقصف، مع عدم توفر أي سبل للعيش والحياة الإنسانية، ومن لا يموت بالقصف الوحشي البري والبحري والجوي بكل انواع الأسلحة الفتاكة والمحرمة سيموت من الجوع والأمراض والأوبئة وانعدام توفر الأدوية، وصعوبة وصول الإسعاف وفرق الإنقاذ، وكل ما يحدث للفلسطينيين من حرب إبادة وتطهير عرقي ومجازر لم يشهدها العالم من قبل، وأعداد الضحايا المهول من الأطفال والنساء والشيوخ، والتدمير المرعب للحجر والشجر والبشر لم يبقِ على شيء.
2-ازدواجية المعايير
والعالم الغربي لا يرى ولا يسمع عن كل البشاعة والوحشية والجرائم والمجازر التي ترتكب في غزة، ولا يكترث إلى المظاهرات التي تجوب شوارع ومدن العالم مطالبين بإيقاف الحرب ضد الفلسطينيين في غزة، ولا تعنيهم تقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر ولا اللجنة الدولية لحقوق الإنسان ولا التقارير الإخبارية الإعلامية التي تملأ الوسائل والوسائط الإعلامية المتعددة، ولا مناشدات العالم بضرورة إيقاف الحرب، والردود الرسمية لحلفاء العدو الصهيوني جوفاء تنم عن النفاق والتحيّز المقيت للعدو الصهيوني مع الدعم بالأسلحة والأموال وتحشيد كل ما يملكه الغرب من عدة وعتاد من حاملات الطائرات والبوارج الحربية والغواصات النووية وتكديس الأسلحة بقواعدهم العسكرية المنتشرة بالمنطقة، منتهكين قوانين الحرب والقانون الدولي الإنساني وقوانين حقوق الإنسان واتفاقيات جنيف وروما وقوانين محكمة الجنايات الدولية، وبدلا من أن يسعوا لإيقاف الحرب نجدهم يصرون على استمرارها ومنهم من يطالبون بهدن مؤقتة لإيصال المساعدات الإنسانية التي لا تساوي قطرة في محيط بمقارنة الاحتياجات الفعلية وما يتم السماح بإدخاله لقطاع غزة، والهدن المؤقتة ماهي إلا قتل مؤجل وإلهاء وتهرب من المسؤولية، وهذا ما لا نراه في قراراتهم وإجراءاتهم عندما تكون الأحداث في مناطق صراع أخرى غير فلسطين أو أي دولة عربية أخرى.
إنّه النفاق والخداع وازدواجية المعايير وانعدام الإنسانية، وموت الضمير، ولا معنى ولا قيمة لكل القوانين حين تهدم المستشفيات والبيوت والمدارس والملاجئ على رؤوس من فيها، ويموت الأطباء والمسعفين والمرضى والأطفال والنساء والشيوخ..
وغزة تقاوم بالموت وتعالج جرحاها بالصبر والعزيمة..
وشهدائها من يدعمون الأحياء..
الفلسطينيون يصنعون مجدا بدم أبنائهم الذي يروي تراب الوطن حتى التحرير.
نصر الله فلسطين العربية.