لماذا لا يستفزنا هذا التفوق النووي فنصنع شبيه له ..؟؟

ماذا يحدث في غزّة؟

إعداد: سليم النجار- وداد أبوشنب

" مقدِّمة"

مفردة "السؤال" وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠

في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟

 وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠

عبدالحكيم عامر الطويل من ليبيا يكتب لنا من زاويته "ماذا يحدث غزة"؟

 

ماذا يحدث في غَزَّة؟

عبدالحكيم عامر الطويل، كاتب من ليبيا

1-ليبيا والقضية الفلسطينية منذ عقود

إذا أردت حلا ناجح لمشكلتك.. فَصِّصها.. حلّلها إلى عناصرها الأساسية.. ثم افهم العوامل المحركة لها.

استغرب البعض من إعلان الهلال الأحمر المصري يوم الثلاثاء 14/11/2023 بأن ليبيا – رغم ضعفها ومعاناتها اليوم – هي ثاني أكبر متبرع لغزة بعد مصر ذاتها!

 

 

 

غير أن هذا لا يجب أن يكون مدعاة للاستغراب، فما زلت أحتفظ في ركن الذكريات من مكتبة بيتي بكتاب ورثته من مكتبة الراحل أبي صدر عن دار مكتبة الفرجاني العريقة بطرابلس الغرب سنة 1968 بعنوان طويل نسبياً: "صراع الفدائيين/الفدائيون الليبيون في حرب فلسطين 1948" لمؤلفه – أحد هؤلاء الفدائيين – الكاتب الليبي وأحد مترجمي القرآن إلى الإنجليزية الراحل "محمد حسن عريبي" (1928-2016)، حيث يقصّ علينا فيه مسيرته من وطنه ليبيا إلى فلسطين رغبة منه في الاستشهاد هناك مقابل تحرير فلسطين.

لقد بدأت في قراءة هذا الكتاب أيام دراستي في الصف الخامس الابتدائي (1973)، إذ لم تكن لغتي تسمح لي بقراءته قبل هذه السنة، فكان بداية إحاطتي المفصلة بالقضية الفلسطينية، والسبب الذي جعلني أفهم معنى تلك المبالغ المالية البسيطة التي كان يقدّمها أبي لي تلبية لدعوات المدرسة تحت عنوان التبرّع لصالح فلسطين، ومن خلال هذا الكتاب شاهدت صورا وعرفت أسماء العديد من أقاربي الليبيين الذين ذهبوا إلى هناك، منهم من استشهد ولم يعد ومنهم من عاد ليقصّ علينا مغامراته هناك ويخّلد أسماء زملائه الشهداء الذين ما كنّا لنعرفهم لولا عودتهم.

 

2-مؤثران كبيران ما زال تأثيرهما قائماً:

أولاً: الدين الغالب اليوم في العالم هو المسيحية، والمسيحيون يؤمنون بكتاب اليهود المقدس - التوراة- وهو لمن لا يعلم الجزء الأول من كتاب المسيحيين المقدس، لذا فالرأي العالمي السائد اليوم هو الرأي المؤيد للرأي اليهودي ببساطة! أي أن العالم في غالبيته يؤيد الرأي اليهودي في أن فلسطين أرض ميعادهم وحقهم الديني والتاريخي.. وأن الفلسطينيين إرهابيون وقتلى اليهود هم الملائكة البريئة التي تستحق الشفقة،

 

الغريب أنك لا تجدهم يزعمون هذا الرأي بل إنهم – بصرف النظر عن صدقهم من كذبهم - يؤمنون به 100% مستندين – كما نحن بالضبط – على الحق التاريخي ووعد الله لهم بذلك في كتابهم المقدس! لا يمكنك أن تقنعهم بعدم صحة ذلك إلا إذا كان بإمكانك إقناع المسلم بأن فلسطين ليست عربية وأن لهم حقا تاريخيا ودينيا فيها!

الأهم من هذا هو أنه بحكم أن اليهود أبناء عم نشترك معهم في ذات الأرض التي عاش فيها أجدادنا وذات الجد - سيدنا إبراهيم الخليل عليه السلام – بدا لي أن صراعنا معهم أعمق بكثير مما يتصور صغارنا، فكل طرف ليس فقط يؤمن بأنه صادق.. بل يؤمن إيمانا عميقا تاما بأنه لى صواب والآخر على خطأ!

كل طرف يؤمن 100% بأن له حقا تاريخيا وحقا مقدسا تؤّيده شرائعه الدينية في أن الأرض له وأن الطرف الآخر محتل ومعتدي منجوس ملعون، فمثلما يؤمن المسلم إيمان لا شكّ فيه بأنّ القرآن هو وحي من الله، يؤمن اليهودي إيمانا لا شكّ فيه بأنّ فلسطين هي أرضهم المقدسة التي منحها لهم الله، يعني يوم يقنع المسلم بأن القرآن ليس وحيا من الله يمكن إقناع اليهودي بأن فلسطين والقدس ليستا هبة من الله! فالقضية معقدة جداً وعميقة جداً لا علاقة لها بالرجولة والخيانة، لدرجة أن أكلة "الحمص" الشامية التقليدية المعروفة يدعي كل طرف بقناعة تامة أنها من اختراعه! كل طرف يؤمن إيمانا لا شك فيه أنها أكلته الشعبية وأنه من اخترعها! وحينما يخاطبك كلّ طرف لا تجد علامات الكذب والتزييف في وجهه بل الإيمان التام بأنه هو على صواب والطرف الآخر هو الكاذب!

تندهش حينما يقدم لك كل طرف الأدلة التي يؤمن بأنها صحيحة 100% من التاريخ والآثار ومن مصادر تجهلها لم تسمع بها على أنها أكلته هو!

بل ويعرض عليك تفاصيل تاريخية وأثرية على أن هذه الأكلة هي من اختراعه هو وأن الطرف الآخر كاذب ومزور ومعتدي على حقه!

مما جعلني أُشبه هذه القضية بصراع الورثة على ورث الجد الواحد! فكل وريث (ووريثة!) لديه حججه الورقية وأحكام المحاكم التي تؤيد رأيه، وكل وريثة ووريث يعرض آيات قرآنية وأحاديث لا يبرر بها رأيه فقط بل يرى أنها تؤيد رأيه هو 100%! فهي قضية شائكة جداً انقسم العالم أمامها، ومن انتصر فيها حتى الآن هو من يملك القنبلة النووية، وهذا ما ينقلنا إلى المؤثر الكبير الثاني:

ثانياً: موازين القوى وقواعد الحرب تغيرت كثيراً منذ معركة القادسية! فلم تعد الكثرة هي التي تغلب الشجاعة ولا إيمان الفئة القليلة يغلب الفئة الكثيرة!

إن جيش العراق العظيم بخبرته القتالية العظيمة التي اكتسبها من حربه الطويلة مع إيران، وبخبراته العظيمة في التصنيع الحربي - حيث وصل لدرجة صناعة طائرة أواكس عراقية وكان أول من أرسل صواريخ سكود متطورة من العراق إلى إسرائيل، بخبرته النووية العظيمة على مستوى العرب حيث كانت بحوث مفاعله النووي أكثر وأهم البحوث النووية العربية المشاركة في المؤتمرات السنوية للهيئة العربية للطاقة الذرية، ومع ذلك لم يصمد أمام بعض وحدات الجيش التقليدي الأمريكي.

ثم ما رأيك في شجاعة الياباني؟ بل ما رأيك في دولة اليابان قبل نهاية الحرب العالمية الثانية؟ كانت دولة عظمى، ضباطها وجنودها من أشجع ضباط وجنود الحروب، مما مكنهم بسهولة وفي وقت قصير من احتلال مساحات شاسعة في العالم، وكانت المساحة تزداد بسرعة حتى أنها طمعت في احتلال غرب الولايات المتحدة بداية من جزيرة هاواي! حتى أننا لسنا الآن في رُبع القوة العسكرية لليابان في الحرب العالمية الثانية! فقد كانت قوة طيران عظمى وقوة بحرية عظمى.. ناهيك عن القوة الخارقة للعسكري الياباني وإيمانه الشديد بمبادئه، حتى أن كان لديهم قوة انتحارية جوية ضاربة لم تعرفها حروب العالم من قبل!!

اليابان كانت إمبراطورية سنة 1942 - أي قبل ضربها بقنبلتيْن نوويتيْن - تضم مساحات شاسعة من الصين وروسيا وكل الكوريتين والهند الصينية وكل الجزر شمال أستراليا.. ثم توقف تمددها بل وانحسر! في الواقع سرعان ما توقف كل شيء في اليابان، فبرغم عظمتها العسكرية وشرف جنودها وضباطها العسكري وقسمهم على الموت من أجل اليابان قررت الاستسلام بعد أن ذاقت ويل القنبلة النووية (2)! أوقفت الحرب واستسلمت رغم كل هذه العظمة.. لماذا؟ لأن خبراء الحرب والقتال والاحتلال والمقاومة والانتحار أدركوا أن لا قدرة لكل آلتهم العسكرية تجاه القنبلة النووية.

 

أتذكر هنا أن الرئيس المصري الراحل أنور السادات قد وصل إلى قناعة مشابهة حينما قال في 1973 إنه بعد تدمير خط بارليف - أقوى خط دفاعي بشري في العالم - تبين له أنه يحارب الولايات المتحدة النووية... لا إسرائيل، كما أنه أدرك أن كل إمكانيته مع كل إمكانيات كل الدول العربية ومعها آلة حرب الاتحاد السوفييتي الرهيبة لا يمكنه الصمود دقيقة أمام قنبلة نووية أمريكية!

أفتريد هزيمة إسرائيل مع ذلك؟ كان من الممكن فعل ذلك لو شجعنا البرنامج النووي العربي! لكننا كنا نشجبه ونطالب بإيقافه ونحثّ شبابنا على عدم دراسة الهندسة النووية بحجة أنها تسبب تلوث البيئة وتساقط الشعر والعقم! في الواقع سننتصر فقط إذا أتقن أحفادنا الرياضيات والكيمياء والفيزياء وتفوقوا في الكليات الحاسوبية والعسكرية والعلوم السياسية والاقتصادية والهندسة النووية!

فما الذي جعل باعتقادك من عدو شرس للصهيونية في كل حياته ومن أكبر ممولي أبو عمار بالمال والإعلام والإمكانيات وكان له برنامج نووي واعد كمعمر القذافي يصدر كتاب في نهاية عمره يدعو فيه إلى ضرورة أن يقبل الفلسطينيين بمعايشة الإسرائيليين في دولة واحدة اخترع لها ذلك الاسم المضحك "إسراطين" المنحوت من كلمتيْ إسرائيل وفلسطين؟ بعض مؤيديه عاتبه حتى لجعله بداية هذا الاسم الغريب الشطر الأول من اسم إسرائيل بدل فلسطين! إنه جبروت السلاح النووي الذي أخضع إمبراطورية توسعية عظمى كاليابان إلى اليوم!

وإلى الجديد على معنى الدول العظمى والدول النووية، هذا ترتيب دول العالم حسب عدد القنابل النووية التي تملكها:

1. روسيا: 6257

2. الولايات المتحدة: 5550

3. الصين: 350

4. فرنسا: 290

5. بريطانيا: 225

6. الباكستان: 165

7. الهند: 160

8. إسرائيل: 90

9. كوريا الشمالية: 45

لماذا لا يستفزنا هذا التفوق النووي فنصنع شبيه له؟

بل دعني أسأل ولماذا لا يستفزنا البرنامج النووي الإيراني والتفوق النووي الباكستاني المسلم لدفع بناتنا وأولادنا لدراسة الهندسة النووية ... وفتح مراكز بحوث نووية في كل مدينة من مُدننا؟

لماذا طالبات وطلبة هذه الكليات ومراكزها البحثية خاوية لا يأتيها إلا النطيح والمتردي ومن لم يأكله السبع بعد؟ الوكالة الدولية للطاقة الذرية IAEA والهيئة العربية للطاقة الذرية ومقرها تونس العاصمة لا يمانعان في ذلك أبداً، بل أن من مهامهما الرئيسة تقديم الدعم التقني والخبراء لمن يحتاجها.

 

3-وما الحل إذا كنا لا نملك سلاحا نوويا رادعا؟ مقاطعة بضائع الغرب؟

إن المقاطعين في تقديري يشبهون طالبا وصل متأخرا للامتحان ... بدون قلم.. ولا يعرف رقم جلوسه.. ويريد أن يجاوب ويجيب جيد جداً!

عزيزي المقاطع ماذا كنت تفعل طوال مئات السنين التي كانت فيها هذه الشركات تبني نفسها وسمعتها وماركاتها من الصفر؟

ماذا كنت تفعل حينما كان عمالها يعملون حتى السادسة مساء وحتى في العطلات؟

ما الذي منعك من أن تتفوّق على صناعاتهم بدل سفرياتك السنوية إلى خماراتهم ونسائهم ومولاتهم؟

أفق! أنت من النائمين بحمد لله! لدرجة فاتك إدراك أنّ قوة اليهود اليوم تكمن في قنابل الولايات المتحدة النووية! وبالتأكيد ستتدخل هذه الولايات مراراً وتكراراً لصالح إسرائيل كلما وجدت فيهم ملامح أي خطوة إلى الخلف! لماذا؟ لأنهم مستعمرة أمريكية بعيدة.. قاعدة متقدمة للحفاظ على تدفق نفط الخليج بأمان إليهم، ولا يمكن أن تجازف ولو بمسافة شبر بخسارتها.

أتقول إنه بإمكاننا تحرير القدس إذا ظهر فينا صلاح دين أيوبي جديد؟ ولكن في عهد هذا السلطان المصري الشهير لم يكن عدوه يملك القنبلة النووية! أي أن معاركه كانت مختلفة تماماً عن معاركنا! كما أن هناك دراسات حديثة تقول إنه لم يحرّر القدس وإنّما صالح أهلها وقايضها بمدينة عربية أخرى وبقي المسيحي واليهودي فيها! وأن من حرر القدس من الصليبيين هو سلطان القاهرة المملوكي البحري المغمور عندنا: المنصور سيف الدين قلاوون!

 

4-الحلول المتاحة:

تسألني ما الحل إذاً؟ أجيبك بأنني لا أراه إلا رزمة واحدة من حلَّيْن اثنيْن لا ثالث لهما: صاروخ قصير المدى وآخر بعيد المدى:

الصاروخ قصير المدى: لا أظنه إلا ما نادى به الرئيس التونسي الحقوقي الراحل "الحبيب بو رقيبة" ونفذه الرئيس المصري الراحل أنور السادات بعد خوضه لمعركته التاريخية الكبيرة وبعد أن خوّنه بعض العرب، مع أنه لم يقتد إلا بصلح نبينا الذي أبرمه مع أعدائه – أبناء عمه القريشيين!

وبعد أن خوَّنه كل العرب لم يجد أبو عمار -أشهر ثوار فلسطين- إلا أن يطبقه هو كذلك! ليلحقه باقي الزعماء العرب رويداً رويداً خفية أو علانية فيما بعد.

الصاروخ بعيد المدى: هو ما فعله نبينا بعد إبرام صلح الحديبية وما فعلته مصر واليابان ومازالتا تطبقانه:

-انشغل ببناء نفسك وعائلتك ومدينتك ووطنك.. وجيشك.. وتصنيعك الحربي.

-خذ العبرة من اليهود أنفسهم كيف سيطروا على اقتصاد وإعلام العالم.

-حاول أن تتفوق علميا في مجالات التصنيع الحربي والتقني والإلكتروني.. والنووي.

-حاول أن تتفوق في علوم الاقتصاد والاستخبارات واللغات والإعلام مثلهم.

-بل حاول أيضا أن تستلهم من الصين نهضتها بعد أن كانت دولة محتلة زراعية فقيرة غير نووية في الحرب العالمية الثانية! حاول أن تستقصي حتى كيف صنعت هي والهند والباكستان قنابلهم النووية، ولا تستعجل النتيجة، متذكراً دائماً أن من فاز في السباق هو السلحفاة لا الأرنب!

لنحاول أيضاً استمالة المسيحيين الموحدين Unitarians الذين يؤمنون مثلنا بأن المسيح عليه السلام نبي ورسول من الله لا ابن له!

بل حاول حتى أن تستميل اليهود الرافضين لنشوء إسرائيل! ألا نقول عدو عدوك صديقك؟ فافسح لهم كل الإمكانيات ليعبروا عن رأيهم! مثل جماعة "نيتوري كارتا" (حراس المدينة) لماذا لا نضع أيدينا في أيديهم؟ إنهم يهود يتحدثون اليهودية ويرتدون لباس اليهود ويؤمنون بكتاب اليهود أيضا، لكن لديهم رأيا مختلفا بخصوص دولة إسرائيل! لا يعترفون بها ولا بقتالها للفلسطينيين! فلماذا لا نوفر لهم الإمكانيات لمحاورة أبناء عمومتهم اليهود طالما أنهم يؤيدوننا ولا يعترفون بهم؟

إن الحاخام "دوفيد فيلدمان" Dovid Feldman من "نتوري كارتا" يُعلن دائماً لوسائل الإعلام عن تضامنه اليهودي مع فلسطين وإدانته لما يحدث الآن لفلسطينيي غزة! إنه يقول إن ما يحدث لا يعبر عن رأي آلاف اليهود حتى أولئك المقيمين في القدس، هذا ما يجعلني أستشف نتيجة يمكننا أن نستثمرها هي كذلك إذا أحسنَّا تقييمها وأخذها بعين الاعتبار.

ولهذا أظن أن اليهود أنفسهم – عوامهم غير المُسيسين بالذات – قد استغلهم أغنياء العالم ليكسبوا المزيد من ملايين نفط منطقتنا، فقد كانوا مضطهدين في روسيا وأوروبا عموماً، فكيف تحولوا فجأة إلى ضحايا تتسابق دول العالم العظمى لترضيتهم وتعويضهم؟ لقد دفعوا بهم لتحقيق ما تردده أساطيرهم القديمة فيما يختص بأرض الميعاد، رأوا أن تحقيق حلمهم هذا فيه منفعة مزدوجة، فمن ناحية يتخلصون من وجودهم وسيطرتهم على اقتصادهم، ومن ناحية يبقون حلفاء قريبين من أكبر منابع الثروة في العالم اليوم: نفط الخليج العربي وما جاوره وأكبر مناطق سطوع شمس طاقة المستقبل، مع عدم إهمال مهارة اليهود الاقتصادية الكبيرة على مر التاريخ، حيث يمكن تجييرها لصالحهم كذلك.

ولاستمرار تنفيذ هذا المشروع لا يجب أن تخمد الحرب في فلسطين ولا يجب أن تكون لليهود حتى حدوداً ثابتة! فاستقلال شعوب المنطقة وتصنيعهم لأقوى الأسلحة مرهون باستقرار إسرائيل! لذا لابد وأن تكون المنطقة مساحة قتال لا يخمد، حتى لو همدت همة اليهود يجب حينها أن تشتعل بهمة آخر (بحماس مثلاً!).

الدول العظمى لعبت باليهود في تقديري، وربما لا يدرك الكثير من مستوطنيهم أنهم ضحايا هم كذلك كالفلسطينيين! وربما من هنا ظهرت فكرة القذافي في أن يؤسس الاثنين دولة واحدة ما دام أبناء عم لهم جد مشترك وعاشا في الجزيرة العربية والشام معاً، ويتمسك كل منهما بحقه المقدس والتفويض الإلهي له لسكن فلسطين، حتى أن مقدساتهما في القدس واحدة! فليعيشا معاً وليندمجاً معاً لعل جنسا جديدا يولد منهما يجعل من حالهما كحال الشعوب القديمة لمنطقتنا التي عاشت معنا طوال قرون كمواطنين من صابئة وآشوريين وأمازيغ وأقباط رغم اختلافهم عنا في اللغة والدين!

أعتقد علينا أن نبدأ في التفكير بجدية في هذه البدائل لأن تجاربنا منذ 1948 أثبتت لنا أن زمن البطولات الفردية والجموع والمظاهرات قد فات! فلا قدرة لنا أمام قنبلة إسرائيل بمفردها فما بالك بقنابل حلفائها الأمريكيين والبريطانيين والفرنسيين معاً، كما يبدو أنه لن يفيدنا تخوين الآخرين، لا في رفع معنوياتنا ولا في انتصارنا على عدو، إن هي إلا هزائم متوالية تزداد شدة وألما، نفقد فيها في كل معركة المزيد من الأراضي، منذ سقوط الأندلس.

علينا ألا نُنكِر أننا سنغرق في البحر لا محالة إذا كنا لا نتقن فن العوم ولا تتوفر لدينا خريطة أعماق هذا البحر!

ستغرق حتماً حينها حتى ولو كنت نبيا جديد من الله!