نقاش في الأردن حول ملف ودور «الإخوان» بعد «الطوفان»

عمان ـ «القدس العربي»: ما وصلت إليه تداعيات طوفان الأقصى في الجزء المتعلق بالحركة الإسلامية الأردنية في إطار الفهم الرسمي الجديد أو المستجد، يؤشر بوضوح مجدداً على حلقة مفرغة من نقاشات أقرب إلى حوار الطرشان سياساً وإعلامياً وشعبوياً.
ملاحظ هنا أن الحركة الإسلامية الأردنية وهي تقود عملياً بنسبة كبيرة فعاليات الشارع التضامنية مع المقاومة الفلسطينية، لا تزال على الأرجح في طور الإخفاق في التأسيس لمقاربة «ضمانات» تطلبها ضمناً السلطة بعد الطوفان وتداعياته، أو في طور الإجابة عن التساؤلات المطروحة تحت عناوين الارتياب إما من جهة السلطات السياسية والحكومية في هذه المرحلة الدقيقة، أو من جهة نخبة واسعة من المثقفين والسياسيين الذين يطالبون الحركة الإسلامية تحديداً بإظهار الحرص على «جملتين» في السياق الوطني: الأولى تظهر ميلاً لـ «الشراكة» والأخرى لا تنطوي على «أطماع سياسية أو انتخابية».
تطالب أطراف متعددة الإسلاميين بجملة وطنية تخدم الصالح العام في مرحلة بمنتهى الدقة والحساسية، قوامها ليس فقط العدوان الإسرائيلي العسكري الهمجي على قطاع غزة، لكن احتمالات وسيناريوهات التهجير وضررها على الأردن وتداعياتها واستحقاقاتها، إضافة إلى احتمالات وسيناريوهات انتقال الصراع إلى الضفة الغربية.
فمنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بقيت فعاليات الحركة الإسلامية ضمن ما يسمى سياسياً في المسار الحرج مرحلياً ضمن منطق التفاعل في الشارع، وخاضت تعبيرات الحركة الإسلامية مواجهة إعلامية مع السلطات الحكومية تحت عنوان الإصرار على التظاهر وإقامة فعاليات احتجاجية مساندة للمقاومة الفلسطينية في منطقة الأغوار.
بطبيعة الحال، خسرت التيارات الإسلامية هذه المواجهة لصالح الطرح الرسمي البيروقراطي بعنوان منطقة الأغوار منطقة عمليات عسكرية وفقاً لما أبلغه للإسلاميين وغيرهم وزير الداخلية مازن الفراية في وقت مبكر. وبكل حال، الكثير من أسئلة الإصلاح أو التحديث السياسي في الأردن اليوم تطرح في سياق رصدت فيه مستجدات معركة طوفان الأقصى وإيقاعات العدوان الإسرائيلي الإجرامي على قطاع غزة وأهل الضفة الغربية بما يؤسس لانعكاسات بالتأكيد خطرة ومهمة على الأردن، وفقاً لرأي المحلل السياسي الدكتور رامي عياصرة، الذي لا يعارض التزام جميع الأطراف والألوان بمقاربة وطنية متفق عليها للاشتباك.
الإسلاميون حتى اللحظة في الأردن يضربون كل أوتار الحساسية في مربعات القرار الرسمي. ومسألة حصتهم بعد الحواضن التي أظهرها الشارع الأردني لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، تثير الجدل مبكراً، ويتوقع أن تستغل أو تؤثر على مسارات عقد الانتخابات البرلمانية المقررة صيف العام 2024 أو حتى تؤدي إلى تأجيلها.

عملية تأجيج

عملية تأجيج لمطالب تأجيل الانتخابات رصدت مؤخراً على نغمة «انتهازية الاستثمار في الطوفان». وطبعاً، كثر في الخارطة المحلية لا يريدون رؤية التيار الإخواني تحديداً في منطقة «توظيف مريحة» انتخابياً، ما يبرر بروز «بعض المخاوف الرسمية». لكن هذه المخاوف التي تستخدم أحياناً كإطار لإقصاء أو شيطنة الحركة الإسلامية، تخدمها بالواقع شعبوياً. بمعنى أو بآخر، فإن سلوكيات الشارع لم تؤدّ بعد إلى صيغة معتدلة يمكن أن تؤطر الخطاب السياسي الإسلامي في سياق ضمانات وتهدئة بالنسبة لمواقع القرار.

«غرور» الربيع العربي في الميزان

والقصد هنا أن الحركة الإسلامية تظهر بعض الحرص المطلوب على إقناع سلطات القرار بأنها لن تسعى للمغالبة في انتخابات مقبلة، وأنها تبذل جهداً لتفهم الاحتياجات الأمنية الحساسة في هذه المرحلة الدقيقة والصعبة. ولا تبذل -برأي بعض المصادر البيروقراطية والحركة الإسلامية- الجهد المطلوب لتأسيس ضمانات للدولة والتيار الذي يناهض الحركة في دوائر القرار بعنوان السعي لعدم الاستثمار في واقع معركة طوفان الأقصى والقصف الإسرائيلي، للتسلل نحو مواقع جديدة في المجتمع، مع أن هذا التسلل القانوني والشرعي تسمح به قوانين تحديث المنظومة الحزبية.
يخشى الرسميون الأردنيون أن يستعيد التيار الإسلامي أدبيات مرحلة الربيع العربي فيبدأ بالتعامل بغرور جديد مع السلطات.
ويخشى الإسلاميون، بالمقابل، أن هذا النمط من التفكير البيروقراطي والرسمي يقدم لمزيد من قمع حرياتهم وشيطنة حالتهم الوطنية، فيما لا يخفي قادة أساسيون مثل الشيخ مراد عضايلة، أحياناً، سخريتهم من تلك المبالغات الدرامية؛ لأن ما يجري في فلسطين وما يخطط للأردن أخطر بكثير من أي أجندة داخلية، بما في ذلك الانتخابات.
رغم ذلك، بعض الاجتهادات برزت؛ فقد حاول قياديان على الأقل في الحركة الإسلامية قبل أحداث السابع من أكتوبر التأكيد على أنهما بحاجة لإيصال رسالة لمركز القرار الرسمي تقول فيها التيارات الإسلامية إنها ملتزمة بشروط القانون وتخضع لمنسوب الموالاة، وأنها ليست بصدد التعامل مع حالة انتهازية تستثمر في الإيقاعات لتعزيز الفرص في الداخل واختلاق أزمة مع السلطات الرسمية مع الالتزام الحرفي بالأجندة الوطنية.

رسالة من الإخوان

تلك رسالة جرب قياديان في جبهة العمل الإسلامي مؤخراً إيصالها عبر شخصية سياسية وازنة مؤخراً، لكن المهمة أخفقت أيضاً مما يعيد إنتاج حالة حوار الطرشان.
الإيقاعات المطلوبة في إعادة بناء الثقة بالتدريج بين الدولة والإخوان المسلمين لا بد من إظهار رغبة في إنتاجها بدون شروط وبحسن نية من الجانبين، شريطة أن تدخل إيقاعات طوفان الأقصى على الحسابات في إطار «تصور وطني متفق عليه» كما يقترح العياصرة. وهو ما يمكن فهمه من تعليق جريء وصريح لرئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز أثناء نقاش بجلسة عامة مع «القدس العربي» مقترحاً على التيار إظهار الأدلة والقرائن على «أردنية الهدف والتصرف والولاء» في اللحظات الحرجة والحساسة الحالية، خصوصاً أن موقف القيادة من العدوان الإسرائيلي على غزة هو الأكثر جدارة وإنتاجية خلافاً لبقية المواقف.
وما يريده الفايز أن يظهر الإسلاميون ولاءهم الدستوري للمؤسسات الأردنية مثل غيرهم من الأطياف والمكونات، وكان قد نصحهم مباشرة بذلك.
يبدو الفايز متحفظاً على أي إشارة تظهر الحركة الإسلامية متأثرة بأي «تصور لتنظيمات خارجية» فيما يجتهد الإسلاميون اليوم في التأشير على أن حجم تحديات الواقع اليوم وطنياً لم يعد يحتمل التمسك بـ»معلبات الاتهامات القديمة» التي قد لا تعني شيئاً.
اجتهد بعض قادة التيار بإيصال «رسالة» قبل أسابيع لكن لم تصل، وتجتهد بعض التيارات الراشدة في تخفيف وطأة الصدام مع الإسلاميين، لكن الرسائل لم تصل أيضاً بعد.
بسام البدارين