اسمه شرف

ابراهيم القيسي
منذ أكثر من شهرين، والعالم يغرق بصور كثيفة قادمة من «طوفان الأقصى»، وهو الاسم الفلسطيني «الغزاوي» لحرب الإبادة المزمنة، التي تشنها امريكا واوروبا ضد العرب والمسلمين من خلال وكيلهما المجرم، الذي منحتاه فلسطين العربية، كقاعدة متقدمة لهما للسيطرة على المنطقة العربية الاستراتيجية الغنية بالثروات، والتي تحتوي أخطر التهديدات ضدهما، لو تركت وشأنها..
لكن الإبادة المستمرة التي يمارسها المجرم الصهيوني بالوكالة عن عالم متوحش، تسيطر عليه الشركات، وتتقهقر كل حكومات العالم أمامه ومعه إلى الصف الثالث من القيادة والقرار، فحكومات أمريكا وأوروبا نفسها، لا تتعدى عن كونها مجرد أداة في يد الشركات الصهيونية، والمغدور المشترك في كل هذا هم شعوب الأرض، والضحية الأولى هم العرب بمسلميهم ومسيحييهم، وكبش الفداء هي فلسطين وشعبها، واليوم غزة وشعبها في المذبح الذي ومنذ شهرين يتابع العالم تفاصيله اليومية، وبالكاد يملك المواطن من سكان الأرض ثواني، للنظر إلى صورة قادمة من الطوفان، فهي غزيرة كثيفة، ينتصر فيها الوجع الفلسطيني على كل المسرحيات والأفلام والأسلحة..
صادفت واحدة من هذه الصور، وهي لقاء صحفي عفوي، أجراه صحفي في غزة «لا أعرف اسمه»، وكان يعتمر خوذة ويرتدي سترة الصحافة، وهما أداتان لم تميزهما عن الضحايا الآخرين في حرب الإبادة الجارية في غزة، حيث تم تسجيل أكبر رقم قياسي لقتل الصحفيين على أيدي آلة الإجرام الصهيوني في حربها لإبادة الفسطينيين، أعني أهل غزة..
كانت المقابلة التي بدت عفوية وطاهرة، ملائكية، حيث يلتقي الصحفي بملاك صغير من ملائكة غزة، الذين أذهلوا العالم بنقائهم وإيمانهم الجميل، والأثر الرحماني الطيب الذي يتركونه في نفس كل من يشاهدهم حول العالم، فهم وسواء أكانوا أشلاء أم شهداء أم مصابين، أم أحياء يبحثون لأنفسهم أو لذويهم عن شربة ماء وكسرة خبز، يتركون أثرا ملائكيا أجمل وأصدق وأعمق من أي أثر، حتى التعاطف والحزن والصدمة التي يجب أن تغشى نفس وذهن من يتابع صورة أو موقفا لأحدهم، مختلف وغير متوقع، فبدلا عن الحزن او معه، ثمة شعور آخر يلمسه من يتابع موقفا أو أكثر يكون فيه مثل هذه الملائكة، وكأنهم جنود من جنود الله، الذين لا يمكن لهذا العدو القذر أن يجاري قوتهم أو يتمكن من انتاج دعايته القذرة ضدهم..
يبدأ المشهد من عند الصحفي، وهو من تلفزيون «العربي»، يقول : ماشي في أمان الله كالمعتاد في ساحة المستشفى، فأجاني هذا الولد الحلو، ثم يسأل الطفل الغزاوي الذي لا يتجاوز عمره  سنوات: إيش بدك؟ يجيبه الطفل «هدنة»، جاي اسألك اذا في خبر عن هدنة، فيسأله الصحفي ليش بتسأل: فأجابه الطفل: ازهقت، وبدنا نعرف اذا فيه هدنة عشان نرجع ع دارنا، فيسأله: الصحفي وين داركو، فأجابه: في بيت لاهيا، احنا هلا موجودين في الكليّة، فسأله الصحفي المكان بعيد من الكلية لهون، ليش ماشي كل هالمسافة، فأجابه الطفل: امي بعثتني أسأل عن أخبار الهدنة، فقال له الصحفي: هلا ما في أخبار عن هدنة، بس بتيجيني بعد ساعتين، وان شاء الله بكون فيه أخبار عن هدنة..
لكننا نعلم جميعا، ومنذ مساء أمس الأول الجمعة (8 ديسمبر الجاري)، بأن آخر أخبار قادة حرب الإبادة في الحكومة الأمريكية والبريطانية، هو فيتو أمريكي وتحفظ بريطاني على قرار مجلس الأمن بهدنة انسانية، بينما لا حديث عن وقف جريمة الإبادة التي يمارسها المحتل المجرم بحق أصحاب الأرض.
بعد أن قال له بتيجيني بعد ساعتين، وبتسأل عني.. وكان آخر سؤال وجهه ذلك الصحفي للملاك الصغير: إنت شو إسمك: فأجابه الملاك المحارب بكل براءة وجمال وطهر: اسمي شرف.
فأخطأ الصحفي بالرد، خيث قال للطفل : الله يزيدك شرف، بينما كان يجب عليه أن يقول: الله يرزق حكام وحكومات وجيوش العالم شيئا من هذا الشرف، فالملاك الجندي «شرف»، يحتفظ بشرف يفوق ما عند كل هؤلاء الذين شردوه وطاردوه ليقتلوه، وتصبح فلسطين وغيرها بلا أهل ولا تاريخ ولا شرف.